شرح حديث (إن أعظم المسلمين في المسلمين جرماً من سأل عن أمر لم يحرم فحرم على الناس من أجل مسألته)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن أعظم المسلمين في المسلمين جرماً من سأل عن أمر لم يحرم فحرم على الناس من أجل مسألته)].
أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه:(إن أعظم المسلمين في المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته) أي: أنه تسبب في حصول ذلك الضرر للناس، ومعلوم أن هذا إنما هو في زمن التشريع والوحي، والمقصود بذلك الأسئلة التي يكون فيها تجاوز وتشديد أو يكون فيها تعنت وتنطع، أو غير ذلك مما يترتب عليه إلحاق الضرر بالناس، وأما الأسئلة التي يحتاج إليها الناس في معرفة أمور الدين؛ فيعرفون ما هو واجب عليهم كي يفعلوه، وما هو محرم عليهم كي يتركوه، فإن هذا موجود وحاصل، وقد جاء في القرآن عدة أسئلة سألوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابهم الله عز وجل عنها في القرآن في مواضع عديدة، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحتاجونه، وقد أمر الله تعالى بذلك فقال:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[النحل:٤٣]، وإنما المقصود من ذلك الأسئلة التي يترتب عليها مضرة، والتي لا يصلح ولا ينبغي أن يسأل عنها، وذلك مثل السؤال الذي سأله الرجل لما نزلت فريضة الحج، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام:(إن الله فرض عليكم الحج فحجوا، فقام رجل وقال: يا رسول الله! أفي كل عام؟ أي: هل فرضه الله تعالى علينا في كل عام؟ فغضب الرسول لهذا السؤال، وقال: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم) فكيف يحج الناس كلهم في كل سنة؟! ثم إن مكة لا تسع الناس، فهذا السؤل ما كان ينبغي أن يسأل عنه؛ ولهذا قال:(ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم) أي: الأسئلة التي فيها تكلف، وهذا من جنس أسئلة بني إسرائيل عن البقرة التي أمروا بذبحها، وكان يكفيهم أن يذبحوا أي بقرة فيحصل المقصود بها، لكنهم تشددوا تعنتوا، فسألوا ما لونها؟ وما هي؟ حتى جاء وصفها على هيئة، فقيل: إنهم بحثوا عن تلك البقرة المصوفة فصعب عليهم الحصول عليها، مع أنه كان يكفيهم أن يذبحوا أي بقرة، فتلك الأسئلة هي التي نهي عنها، وهي التي حذر منها، وما أعلم مثالاً على تحريم شيء بسبب مسألة إنسان فترتب على ذلك حرج بالمسلمين، ولكن هذا فيه ترهيب وتحذير من مثل هذه الأسئلة، والمقصود هو التنفير من مثل هذه الأسئلة التي هي من جنس ذلك السؤال الذي سأله السائل عن الحج.
وأما مناسبة هذا الحديث للباب فهو يشبه الجملة الثانية من الحديث السابق:(من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)، والمراد: أن من كان سبباً في لحوق الضرر بالمسلمين بسبب سؤاله عن أمر كان حلالاً فحرم عليهم، فإنه يصيبه ذلك الإثم بسبب ذلك الجرم الذي حصل منه، وهو يشبه ما جاء في الحديث الآخر (ما قُتلت نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه أول من سن القتل).