[شرح حديث الصلاة في الرحال]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الجمعة في اليوم المطير.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه رضي الله عنه: (أن يوم حنين كان يوم مطر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديه أن الصلاة في الرحال).
حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن صاحب له عن أبي المليح: أن ذلك كان يوم الجمعة.
حدثنا نصر بن علي قال سفيان بن حبيب: خُبرنا عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المليح عن أبيه رضي الله عنه أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في يوم جمعة وأصابهم مطر لم يبتل أسفل نعالهم فأمرهم أن يصلوا في رحالهم].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب الجمعة في اليوم المطير]، وهو اليوم الذي ينزل فيه المطر، يعني: هل يحضر الناس فيه للجمعة أم أنهم معذورون في التخلف عن الجمعة؟ أورد أبو داود رحمه الله أحاديث تتعلق بالسفر؛ لأنها في حنين أو الحديبية، وكل ذلك في سفر، ومن المعلوم أن المسافر ليس عليه جمعة، وإنما الذي عليه الجمعة هو المستوطن المستقر في القرى والمدن، هؤلاء هم الذين يجمعون، وأما أهل البوادي غير المستقرين وكذلك المسافرون فإنهم لا يجمعون، والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يجمع في السفر، وقد كان في عرفة في حجة الوداع يوم الجمعة ولم يجمع، وإنما صلى الظهر والعصر جمعاً، وأسر في الظهر والعصر كالشأن في سائر الأيام، فالمسافر يصلي يوم الجمعة ظهراً مقصورة ويسر فيها بالقراءة، فلم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم أنه يجمع في الأسفار.
الأحاديث التي أوردها أبو داود هنا لا تتعلق بالتجميع في المدن والتخلف عن الجماعة في المدن بسبب المطر، ولكن جاء في ذلك حديث ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام سيذكره المصنف في آخر الباب الذي بعد هذا، وهو الذي يطابق الترجمة ويدل عليها من جهة التخلف عن الجمعة في اليوم المطير، أما هذه الأحاديث فلا تدل عل الترجمة إلا أن يكون المقصود: أن كان الرسول صلى الله عليه وسلم أذن بالصلاة في الرحال والناس في السفر في يوم الجمعة ليصلوا صلاة الظهر في رحالهم؛ فإن الجمعة أيضاً تكون كذلك، فهو يوافق الترجمة من حيث الاستنباط والقياس؛ لأن التجميع لم يحصل من النبي صلى الله عليه وسلم في السفر.
[عن أبي المليح عن أبيه أن يوم حنين كان يوم مطر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديه أن الصلاة في الرحال].
هذا ليس فيه نص على الجمعة، ولكن الرواية الثانية هي التي فيها ذكر الجمعة، والمنادي هو المؤذن، فعندما يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح يقول: صلوا في رحالكم، وفي الحديث الآخر الذي سيأتي أنه بدل أن يقول: حي الصلاة حي على الفلاح يقول: ألا صلوا في رحالكم ألا صلوا في رحالكم، ولا مانع من الجمع بينهما؛ لأن المقصود بقوله: حي الصلاة.
أن من أراد أن يحصل الفضيلة فله أن يأتي، ومن أراد أن يتخلف فإنه معذور وقد أذن له بذلك؛ ولذا قيل له: الصلاة في الرحال؛ ولهذا ينبغي للمؤذن والإمام أن يقيما الصلاة جماعة في المسجد.
[عن أبي المليح عن أبيه أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في يوم جمعة وأصابهم مطر لم يبتل أسفل نعالهم فأمرهم أن يصلوا في رحالهم].
يحتمل أن تكون القصة متعددة أو أنها قصة واحدة ولكن حصل فيها الاختلاف هل هي في حنين أو الحديبية؛ لأنها كلها من طريق أبي المليح عن أبيه، فيحتمل أن تكون القصتان حصلتا جميعاً، ويحتمل أن تكون قصة واحدة ولكن حصل الاختلاف هل هي هذه أو هذه، والحديبية كانت في السنة السادسة، وحنين كانت بعد فتح مكة في آخر السنة الثامنة.
قوله: [لم يبتل أسفل نعالهم].
معناه: أن المطر لم يكن غزيراً وكثيراً، ولعل ذلك لكون المطر فيه ضرر عليهم، فأذن لهم أن يصلوا في رحالهم، أي: في خيامهم ومنازلهم التي هم نازلون فيها؛ لأنهم مسافرون نازلون في خيام، وليسوا في مساكن وبنيان.