للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث ابن مسعود في كراهة النبي التختم بالذهب]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في خاتم الذهب.

حدثنا مسدد حدثنا المعتمر سمعت الركين بن الربيع يحدث عن القاسم بن حسان عن عبد الرحمن بن حرملة أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقول: (كان نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم يكره عشر خلال: الصفرة -يعني: الخلوق- وتغيير الشيب، وجر الإزار، والتختم بالذهب، والتبرج بالزينة لغير محلها، والضرب بالكعاب، والرقى إلا بالمعوذات، وعقد التمائم، وعزل الماء لغيره أو غير محله أو عن محله، وفساد الصبي غير محرمه).

قال: أبو داود: انفرد بإسناد هذا الحديث أهل البصرة، والله أعلم].

أورد أبو داود [باب ما جاء في خاتم الذهب] خاتم الذهب قد جاء فيه أحاديث تدل على تحريمه، وأنه كان مباحاً أولاً ثم حرم، وقد سبق الحديث الذي فيه طرحه وقوله: (لا ألبسه أبداً) ثم طرح الصحابة خواتيمهم تبعاً له واقتداء به صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وجاء كذلك الحديث الذي فيه: (أنه أخذ حريراً وذهباً، وقال: هذان حرام على ذكور أمتي).

وأما بالنسبة للنساء فإن التحلي بالذهب سائغ لهن، كما أنه سائغ من الفضة ومن غيرها، وإنما المنع من الذهب في حق الرجال، فهم الذين لا يستعملون الذهب، ولا يتختمون بالذهب.

أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: [(كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره عشر خلال: الصفرة، يعني الخلوق)].

الخلوق هو الطيب الذي يكون من زعفران وغيره، وقد سبق أن مرت أحاديث فيها عدم استعمال الزعفران في الطيب في حق الرجال.

قوله: [(وتغيير الشيب)].

يعني: تغيير الشيب بالسواد، أما تغييره بغير السواد فهو مأمور به، وقد جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله، وإنما المنهي عنه والمكروه والمحرم هو تغييره بالسواد.

قوله: [(وجر الإزار)].

يعني: إسبال الثياب، وهذا من الأمور المحرمة، وسواء كان مع قصد الخيلاء أو بدون قصد الخيلاء، ما دام الإنسان قد جر ثوبه فهو آثم، ولكنه إذا كان مع قصد الخيلاء يكون شراً إلى شر.

قوله: [(والتختم بالذهب)].

يعني: في حق الرجال.

قوله: [(والتبرج بالزينة لغير محلها)].

يعني: في حق النساء، من كونهن يتبرجن بالزينة لمن لا يجوز أن يظهرن له من الأجانب الذين تحصل فتنتهم بها.

قوله: [(والضرب بالكعاب)].

الكعاب هو النرد الذي جاء في الأحاديث وجاء عن الصحابة النهي عنه.

قوله: [(والرقى إلا بالمعوذات)].

يعني: إذا كانت بشيء محرم أو غير سائغ فإن ذلك لا يجوز، وإنما الذي يجوز ما كان بالمعوذات: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:١] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:١] وبغير ذلك من القرآن وبالأدعية والأذكار والكلام السالم من الخطأ ومن الشرك، فهذا هو الذي يجوز أن يرقى به.

قوله: [(وعقد التمائم)].

يعني: تعليق التمائم.

قوله: [(وعزل الماء لغيره، أو غير محله أو عن محله)].

والمقصود من ذلك العزل في الجماع من أجل ألا تحمل المرأة، وهذا إنما يكون في حق الحرائر، فإنه لا يعزل عنهن إلا بإذنهن، وأما بالنسبة للإماء فيمكن أن يعزل عنهن؛ وذلك لما قد يترتب على حملهن من كونهن يكن أمهات أولاد، فلا يتمكنوا من بيعهن، فالعزل جاء في السنة كما في حديث جابر رضي الله عنه: (كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن).

إذاً: كانوا يعزلون عن الإماء خشية الحمل؛ لأنهن إذا لم يحملن تصرفوا فيهن كيف شاءوا بالبيع والهبة وغير ذلك، وأما إذا صرن أمهات أولاد، فإنه لا يجوز بيعهن، ويعتقن بعد موت من أولدهن.

قوله: [(وفساد الصبي)].

أي: حصول شيء يترتب عليه ضرره، وذلك أنه إذا كان يرضع ووطئت أمه فحملت، فإنه يترتب على حملها فساد لبنها، فلا يستفيد الطفل، وإذا رضع وأمه حامل فإنه يتضرر من ذلك اللبن.

ثم قال: (غير محرمه) يعني: أنه غير محرم، ولكن كونه يترك لما يترتب عليه من حصول الضرر للصبي أفضل، وإلا فإن الرجل يجامع امرأته سواء كانت مرضعاً أو غير مرضع، وإنما يمنع في حال حيضها وفي حال نفاسها، وأما كونها مرضعاً فإنه لا يمنع من ذلك، وإن كان يترتب عليه مضرة، وإذا حصل أن حملت فإنه يبحث له عن طرق إرضاع أخرى غير أمه.

قوله: [(كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره عشر خلال)].

معلوم أن الكراهة في هذه الخلال بعضها محرم، وقد جاءت الأحاديث بتحريم أكثرها، وبعضها مثل العزل غير محرم، وذلك إذا حصل الاتفاق بين الرجل والمرأة الحرة، ثم إذا شاء الله الولد وجد وإن وجد العزل؛ لأن الحمل يكون من قطرة، وقد تسقط قطرة من غير اختيار الإنسان فيحصل بها الحمل، كما جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس من كل المني يكون الولد) يعني: الولد يكون من قطرة من المني وليس من كل المني، فهذا الذي يعزل قد تسقط منه قطرة وتذهب إلى الرحم فيكون بها الحمل، ويكون الشيء الذي أراده الإنسان لم يحصل، والشيء الذي أراده الله لابد وأن يكون، فإذا أراد الله أن يوجد حملاً أوجده وإن وجد العزل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>