للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث أنس في عذاب القبر بزيادة يسيرة]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن سليمان حدثنا عبد الوهاب بمثل هذا الإسناد نحوه، قال: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم، فيأتيه ملكان فيقولان له فذكر قريباً من الحديث الأول، قال فيه: وأما الكافر والمنافق فيقولان له، -زاد المنافق- وقال: يسمعها من وليه غير الثقلين)].

أورد الحديث من طريق أخرى عن أنس، وهو مثل الذي قبله لكنه ذكر فيه ملكين والأول ذكر فيه ملكاً، ولا تنافي بينهما، فيمكن أن يأتيا جميعاً ويحصل السؤال من واحد منهما والضرب من الآخر أو العكس، ويمكن أن يراد بالملك أيضاً الجنس، والحاصل أنه لا تنافي بين ذكر ملك وذكر ملكين، فإن العدد الأصغر يدخل في الأكبر.

قوله: [(إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم)].

وهذا يدل على أن الإنسان وهو في قبره تعاد إليه روحه وتحصل المسائلة من الملكين، وأنه يسمع قرع نعال الذين قبروه إذا انصرفوا، وهذا لا يدل على أن كل ما يجري خارج القبر يعلم به صاحب القبر، وأن أصحاب القبور يسمعون كل شيء، بل يثبت ما ثبت ويسكت عما لم يثبت، وقد ثبت هذا الذي جاء في الحديث، أما غير ذلك من الأمور الأخرى فإنها لا تثبت ولا تنفى، وإنما ترد إلى علم الله عز وجل ويقال: الله أعلم.

وأما أن ينفى كل شيء وقد صح به الحديث، أو يثبت كل شيء ولم يصح به الحديث؛ فهذا غير صحيح، وإنما يثبت ما ثبت ويسكت عما لم يثبت، فهذه هي الطريقة الصحيحة فيما يتعلق بسماع الأموات، ولهذا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لا يدري ما أحدث المبدلون والمغيرون بعده، فهو في قبره صلى الله عليه وسلم وما عرف الشيء الذي حصل منهم بعده.

وأيضاً هذا الحديث لا ينافي ما جاء من أنه لا يمشى بالنعل في المقبرة كما في قصة صاحب السبتيتين: أن الرسول رأى رجلاً يمشي وعليه نعلان فقال: (يا صاحب السبتيتين! انزعهما) فإنه لا تنافي بين هذا وهذا، فإن المقبرة لا يمشى فيها بين القبور بالنعال، إلا إذا كان هناك أمر يقتضى ذلك، كأن تكون رمضاء أو يكون بها شوك أو غير ذلك، ويتحرز الماشي من أن يطأ قبراً، ويكون مشيه بين القبور وليس على شيء من القبور.

ويكون المشي بين القبور بالنعال فيما إذا كان هناك ممرات مخصصة في داخل المقابر من أجل أن ينفذ منها إلى القبور.

قوله: [(فيأتيه ملكان)].

اسم هذين الملكين: منكر ونكير، جاء هذا في حديث صحيح أو حسن.

قوله: [(فيقولان له فذكر قريباً من الحديث الأول، قال فيه: وأما الكافر والمنافق فيقولان له -زاد المنافق- وقال يسمعها من وليه غير الثقلين)].

ذكر في الرواية الأولى أنه يسمعها الخلق غير الثقلين، وسيأتي أنه يسمعه من بين المشرق والمغرب، أي أن قوله هنا: (يسمعها من وليه) لا يدل على أن السماع خاص بمن هم قريبون منه من غير الثقلين، بل جاء أنه يسمعها من بين المشرق والمغرب إلا الثقلان، فيكون المقصود من ذكر الذين يلونه أنهم أقرب وأنهم يسمعون أكثر مما يسمع غيرهم، ولا يقال إن ذكر من وليه ينافي ما ذكر من سماع غيرهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>