للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شرح حديث: (إنّا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الشهر يكون تسعاً وعشرين.

حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن الأسود بن قيس عن سعيد بن عمرو -يعني: ابن سعيد بن العاص - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا)، وخنس سليمان أصبعه في الثالثة، يعني: تسعاً وعشرين وثلاثين].

أورد أبو داود هذه الترجمة: باب الشهر يكون تسعاً وعشرين، والمقصود من هذا: بيان أن الشهر لا يكون ثلاثين دائماً وإنما يكون ثلاثين ويكون تسعاً وعشرين، فلا ينقص الشهر العربي عن تسعة وعشرين ولا يزيد عن ثلاثين، فهو إما هكذا وإما هكذا.

وأورد أبو داود حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا)، وأشار بيديه العشر ثلاث مرات وخنس إصبعاً في الثالثة، يعني: تسعة وعشرين، وجاء أيضاً أنه فعل ذلك مرتين، فمرة يكون ثلاثين ومرة يكون تسعة وعشرين، فإنه قال: (الشهر هكذا وهكذا وهكذا)، وبهذا يصير ثلاثين بدون قبض إصبع، ثم قال: (ويكون هكذا وهكذا وهكذا، وقبض إصبعاً) يعني: أنه يكون تسعة وعشرين.

وقوله: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب) الأمية: نسبة إلى الأميين، والمقصود بذلك كثير منهم، ولا يعني ذلك أنه لا توجد الكتابة والقراءة فيهم، بل كانت ففيهم ولكن بقلة، والحكم هنا الغالب، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كذلك لا يقرأ ولا يكتب صلى الله عليه وسلم، وقد جاء بهذا القرآن الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لم يستطيعوا، وهو من عند الله عز وجل، وكونه أمياً لا يقرأ ولا يكتب هذا من أوضح الأدلة على أنه أتى بالقرآن من عند الله عز وجل، ولهذا يقول الله وجل: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:٤٨]، أي: لو أنه كان قارئاً كاتباً فيمكن أن يأتي به من عند نفسه، لكنه كان لا يقرأ ولا يكتب صلى الله عليه وسلم.

ثم إن الله عز وجل جعل الأمور والعبادات مبنية على أمور مشاهدة ومعاينة لا يختص بها الحاذق والفطن، وإنما الكل يعرفها، فالعبادات أنيطت بأمور مشاهدة ومعاينة، فالصلاة أنيطت بطلوع الشمس وغروبها وزوالها، ومغيب الشفق وهكذا، فالحضري والبدوي يعرف ذلك، وكذلك الصيام يعرف بأنه يبدأ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويكون برؤية الهلال، وكل هذه الأمور تشاهد وتعاين ولا تتوقف على حساب ولا على خلق ولا على فطنة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>