للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في زيارة النساء القبور.

حدثنا محمد بن كثير أخبرنا شعبة عن محمد بن جحادة سمعت أبا صالح يحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج)].

قوله: [باب في زيارة النساء القبور]، اختلف العلماء في حكم زيارة النساء للقبور، فمنهم من قال بجوازها، ومنهم من قال بمنعها.

والذين قالوا بالجواز استدلوا بما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها زارت قبر أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه، واستدلوا أيضاً بالأحاديث العامة في الزيارة كقوله: (فزوروها)، وكذلك قوله: (فإنها تذكر بالآخرة) قالوا: والنساء بحاجة إلى التذكرة، فهن مثل الرجال.

واستدل أصحاب القول الثاني بالأحاديث التي فيها منع النساء من الزيارة، والتي تدل على لعن الزوارات، وأن المصلحة اليسيرة التي تحصل لهن بالزيارة يقابلها مفسدة أكبر وأعظم وهي: ما يكون منهن من النياحة، وما هن عليه من الضعف وعدم الصبر كما هو حال الرجال، لذلك جاءت أحاديث تدل على المنع.

وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج).

وهذا الحديث جاء بلفظ: (زائرات) وفيه ذكر اتخاذ المساجد والسرج عليها، وكل هذه الأمور غير سائغة.

وهذا الحديث في إسناده رجل متكلم فيه وهو أبو صالح الراوي عن ابن عباس، وليس أبا صالح السمان، وإنما هو شخص آخر فيه كلام، فتكلموا على الحديث من أجله، ولكن الحديث جاء من وجه آخر وفيه: (لعن الله زوارات القبور).

فالذين قالوا: إن زيارة النساء للقبور جائزة قالوا: إن المقصود بالنهي هو المكثرات من الزيارة؛ لأن (زوارات) صيغة مبالغة، تدل على إكثارهن من الزيارة.

ولكن يمكن أن يفسر (زوارات) بمعنى (زائرات)، فيكون متفقاً مع هذا الحديث السابق: (لعن رسول الله زائرات القبور)، فصيغة فعّال كما أنها تأتي للمبالغة فإنها تأتي للنسبة، فليس كل ما يأتي على صيغة فعّال يكون للمبالغة، بل قد يكون للنسبة، وذلك مثل: نجار وحداد، فهذه الصيغ ليست للمبالغة، وإنما هي نسبة إلى الحدادة والنجارة.

ومن ذلك أيضاً قول الله عز وجل: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:٤٦]، فإن المنفي هو أصل الظلم، أي: وما ربك بذي ظلم، فهو سبحانه ليس بمنسوب إلى الظلم، ولا يقال: إن المقصود من ذلك نفي المبالغة، وإنما هو نفي لأصل الظلم عن الله تعالى.

إذاً: المراد من قوله: (زوارات) أي: المنسوبات للزيارة، وليس معنى ذلك المكثرات من الزيارة.

وقد ضعف الشيخ الألباني رحمه الله هذا الحديث في السنن، ولما جاء إلى الكلام عليه في (أحكام الجنائز) ذكر أن الترمذي قال: حديث حسن، وقال: إن هذا لا يسلم له، إلا إن أراد أنه حسن لغيره فيكون مسلماً؛ لأنه قد جاء بلفظ: (زوارات)، وهذا إنما يكون إذا اعتبرنا أن (زوارات) بمعنى (زائرات)، وهو رحمه الله قد أشار إلى أن اللعن إنما هو للمكثرات من الزيارة، ولكن الذي يظهر أن ذلك اللعن ليس على المبالغة، وإنما هو لعن على أصل الزيارة؛ لأنه يترتب عليها ضرر كبير، وأمر عظيم، وذلك لضعف النساء، وعدم صبرهن، وعدم قدرتهن وجلدهن كما هو حال الرجال.

وعلى هذا: فالقول الصحيح هو القول بالتحريم، وأن النساء لا يجوز لهن أن يزرن القبور، ثم أيضاً -كما هو واضح- أن المرأة إذا تركت الزيارة فأكثر ما في الأمر أنها تركت أمراً مستحباً، وأما إذا فعلت الزيارة فإنها تتعرض للعنة كما في هذا الحديث، ومعلوم أن ترك هذا الفعل الذي تسلم فيه من اللعنة أولى ومقدم على كونها تفعل شيئاً لو تركته لم يحصل لها شيء إلا أنها تركت أمراً مستحباً لا يترتب على تركه شيء.

إذاً: القول بالتحريم والمنع هو الأظهر والأولى.

وكذلك إذا أتين مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس لهن أن يقصدن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>