للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث علي في النهي عن وضع الخاتم في السبابة والوسطى]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا عاصم بن كليب عن أبي بردة عن علي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قل: اللهم اهدني وسددني، واذكر بالهداية هداية الطريق، واذكر بالسداد تسديدك السهم، قال: ونهاني أن أضع الخاتم في هذه أو في هذه، للسبابة والوسطى، شك عاصم، ونهاني عن القسية والميثرة، قال أبو بردة: فقلنا لـ علي: ما القسية؟ قال: ثياب تأتي من الشام أو من مصر مضلعة، فيها أمثال الأترج، قال: والميثرة: شيء كانت تصنعه النساء لبعولتهن)].

أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: [(قل: اللهم اهدني وسددني، واذكر بالهداية هداية الطريق، وبالسداد تسديدك السهم)] ومعنى ذلك، أن الإنسان عندما يقول: اللهم اهدني، يتذكر ويخطر على باله هداية الطريق الحسي الذي هو الجادة، والذي يسلكه الإنسان ولا يحيد عنه؛ ليسلم من الأضرار ومن أن يتيه ويضيع؛ لأنه إذا سلك الجادة وصل إلى الغاية، بخلاف ما إذا خرج عنها، فإنه عرضة للضياع، وكذلك الهداية المعنوية التي هي الهداية للحق والصراط المستقيم يربطها بالهداية الحسية التي هي هداية الطريق، وذلك أنه لا يسلم من آفات الضياع والزيغ والضلال إلا إذا سلك الطريق المستقيم.

فذكر هداية الطريق وربط المعقول بالمحسوس، يدل على أنه أمكن في الفهم والإدراك؛ ولهذا يأتي تشبيه المعاني بالمحسوسات؛ ليكون ذلك أوقع في النفوس، وهذا من هذا القبيل، فهناك هداية حسية وهي هداية الطريق وسلوك الجادة وعدم الانحراف عنها يمنة أو يسرة؛ لئلا يحصل الضياع، وهداية معنوية وهي هداية الصراط المستقيم والخروج من الظلمات إلى النور، وقد جاء في حديث الهجرة كلام أبي بكر رضي الله عنه، لما كان راكباً خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر معروفاً عند كثير من الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يعرفه كل أحد، فكان بعض الناس الذين يلتقون بالنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر معه يقول: (يا أبا بكر من هذا الذي معك، فكان يقول: هذا هاد يهديني الطريق) هو يقصد أنه هاد يهديه الطريق المستقيم، وغيره يفهم أنه دليل يعرف الطرق ويعرف الدروب، وأنه خبير بالأرض، وهذه تسمى تورية؛ لأن المتحدث يأتي بلفظ يريد منه شيئاً والسامع يفهم منه شيئاً آخر فيكون صادقاً؛ ولهذا جاء في الحديث: (إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب) وقد جاء كثيراً في السنة استعمال المعاريض في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وكلام أصحابه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، ومن ذلك قصة أم سليم لما مات ابنها وقد جاء أبو طلحة، وكان يعلم أنه مريض فمات وخرجت روحه فلم تخبره حتى قدمت له العشاء وحتى حصل اللقاء بينهما، ثم بعد ذلك أخبرته، ولكنه لما سألها قبل ذلك قالت: لقد سكن الصبي واستراح، ففهم أنه استراح من المرض، وهي تقصد أنه مات.

فهذا حديث علي رضي الله عنه من هذا القبيل، فهو يقول: [(اذكر بالهداية هداية الطريق)] يعني: اربط بين المحسوس والمعنوي؛ لأن ربط المعنوي بالمحسوس يثبته ويجعله أوقع في النفس وأثبت؛ لأنه مبني على شيء مشاهد معاين.

[(واذكر بالسداد تسديدك السهم)] يعني: كون الذي يرمي يسدد السهم على الرمية، بحيث يوجهه إلى تلك الرمية، لا يحيد يمنة ولا يسرة حتى يصيب الهدف، فكذلك الإنسان الذي يكون على سداد وملازمة لشيء معين.

قوله: [(قال: ونهاني أن أضع الخاتم في هذه أو هذه، للسبابة والوسطى)] أي: في السبابة والوسطى.

قوله: [(شك عاصم)].

يعني: الذي شك في هذه أو هذه هو عاصم بن كليب.

قوله: [(ونهاني عن القسية والميثرة)].

القسية هي لباس يؤتى به من الشام أو مصر، مضلعة فيها خطوط عريضة تشبه الأترج، إما في شكله أو في تجاعيده؛ لأن الأترج ليس أملس، وليس متساوياً، وإنما فيه نتوء وبروز، وسبق أن مر بنا أنه مضلع بالحرير.

والميثرة شيء كانت تصنعه النساء لبعولتهن لوضعه على الركاب، أي على سرج الفرس بحيث يكون ليناً ويكون من حرير، وسبق أن مر بنا عدد من الأحاديث التي فيها ذكر المياثر.

والمياثر جمع ميثرة.

وهذا الحديث ليس فيه شيء يتعلق بالترجمة من ذكر الحديد، وإنما فيه بيان الأصابع التي ينهى عن التختم فيها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>