للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شرح حديث: (من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في جماع الإمامة وفضلها.

حدثنا سليمان بن داود المهري حدثنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن حرملة عن أبي علي الهمداني قال: سمعت عقبة بن عامر رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم)].

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [باب جماع الإمامة وفضلها].

ويصلح أن يكون: جِماع أو: جُمّاع، والمقصود من ذلك: ما يجمع الأبواب المتعلقة بالإمامة، وهذه طريقة أبي داود رحمة الله عليه؛ فإنه يجمع الأحاديث التي تتعلق بموضوع واحد، ولكن يجعلها تحت أبواب متعددة، مثل ما ذكرنا في كتاب الطهارة أنه لم يجعله كتباً، وإنما جعل للوضوء باباً، ولغسل الجنابة باباً، وللحيض باباً، وجعل كل ما يتعلق بالطهارة كتاباً واحداً، ولم يكرر الكتب، ولكنه جعل كل مجموعات متصلة مع بعض، كالأبواب المتعلقة بغسل الجنابة جعلها مع بعض، والأبواب المتعلقة بالحيض مع بعض، والأبواب المتعلقة بالوضوء مع بعض، وهكذا في الصلاة ذكر أولاً المواقيت، ثم ذكر بناء المساجد وما يتعلق بها وأحكامها، ثم ذكر بعد ذلك ما يتعلق بالجماعة وفضل الجماعة، ثم بعد ذلك ذكر الأذان، ثم ذكر الجماعة وفضلها، ثم ذكر بعد ذلك التشديد في ترك الجماعة، ثم ذكر هنا ما يتعلق بالإمامة، ثم بعد ذلك سيذكر ما يتعلق بما يصلى من اللباس، والسترة وما يتعلق بها والذي يصلى عليه.

فهنا عبر بقوله: [جماع الإمامة وفضلها]، يعني: ما يتعلق بالإمامة وما يتعلق بفضلها.

وهذا الباب أورد تحته حديثاً عاماً، والأحاديث التي ستأتي في الأبواب القادمة هي أحاديث خاصة محددة معينة، وهنا ذكر حديثاً يجمع شيئاً عاماً في الإمامة، وكذلك في فضل الإمامة.

قوله: (من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم، وإن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم) يعني: أن الخلل والنقص يكون عليه وليس عليهم من النقص شيء، ولكن إن حصل إحسان فهو له ولهم، ومثل ذلك ما جاء في الأحاديث في الأمراء: (يصلون لكم؛ فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم) وكذلك الأثر الذي جاء عن عثمان رضي الله عنه، فقد ذكر البخاري في صحيحه: أنه رضي الله عنه لما حوصر في داره وصار يصلي بالناس واحد من أولئك الذين خرجوا عليه جاءه رجل وقال: يا أمير المؤمنين! إنك إمام عامة، وهذا الذي يصلي بالناس إمام فتنة، فماذا تأمرنا؟ فقال: (الصلاة من خير ما يفعل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم، وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم).

وقوله: (يصلون لكم؛ فإن أحسنوا فلكم ولهم) يعني: أن الإحسان مشترك والفضل مشترك، (وإن أساءوا فلكم وعليهم) يعني: لكم الثواب ولكم الأجر وعليهم إثم ما أساءوا وقصروا ونقصوا.

أورد أبو داود حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم) وليس المقصود بذلك الوقت فقط، وإنما كل ما يتعلق بما هو مطلوب في الصلاة، فإن وجد منه إحسان فالإحسان له ولهم، وإن وجد منه نقص وخلل سواء يتعلق بالوقت أو بغيره فعليه ولا عليهم.

وقوله: (فعليه ولا عليهم) يعني: أن ذلك النقص عليه هو وليس عليهم منه شيء، بل هم ليس لهم إلا الخير وإن وجدت إساءة فهي تخصه وتقتصر عليه ولا تتعداه إلى غيره.

<<  <  ج:
ص:  >  >>