للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كراهية الحلف بالآباء.

حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تلحفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون)].

قوله: [باب في كراهية الحلف بالآباء]، الكراهية هنا المقصود بها: التحريم؛ لأنه قد جاء في هذا الحديث النهي، وجاء أيضاً وصف الحلف بغير الله بأنه شرك، وهو يدل على التحريم، ولكنه شرك أصغر، فإذا كان الحالف بغير الله معتقداً أن الحلف بغير الله أعظم من الحلف بالله، وأهم من الحلف بالله فهذا كفر، ولكن كون الإنسان يحلف بغير الله عز وجل فحلفه من الشرك الأصغر، ومعلوم أن الشيء الذي يوصف بأنه شرك يعتبر من أعظم الذنوب وأخطرها، ولهذا جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (لأن أحلف بالله فأكذب أحب إلي من أن أحلف بغيره فأبر)، وفي لفظ آخر: (لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أحلف بغيره صادقاً)، يعني: أن الحلف بالله توحيد، والكذب معصية، ولكن الحلف بغير الله شرك، حتى وإن كان حلفاً على صدق؛ لأن الشيء الذي يوصف بأنه شرك أخطر من غيره، وكلام ابن مسعود رضي الله عنه هذا يدل عليه؛ لأنه قال: (لأن أحلف بالله فأكذب أحب إلي من أحلف بغيره فأبر)؛ لأن الحلف بغير الله شرك وإن وجد معه صدق، والحلف بالله توحيد وإن وجد معه كذب، فسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك.

وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد)، وقد كانوا في الجاهلية يحلفون بآبائهم وأمهاتهم وبالأنداد، ثم قال: (ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون)، فقد أرشد إلى أنه لا يجوز الحلف بغير الله من جهتين: في قوله: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم)، وفي قوله: (ولا تحلفوا إلا بالله)، فصار النهي عن الحلف بغير الله موجوداً في الجملتين، الجملة الأولى فيها التنصيص على أنه لا يحلف بالآباء ولا بالأمهات، ولا بالأنداد، والجملة التي بعدها فيها أن الحلف يكون مقصوراً على الله وحده، وأن كل ما سواه لا يحلف به؛ لا الآباء ولا الأمهات ولا الأنداد ولا غير ذلك، فالجملة الثانية أعم من الأولى؛ لأنها تشمل على ما دلت عليه الأولى وزيادة، وهو أن كل شيء غير الله لا يحلف به، وكل مخلوق لا يحلف به، وأن الحلف إنما يكون بأسماء الله وصفاته، والحلف بأسماء الله وصفاته حلف به سبحانه وتعالى.

فقوله: (ولا تحلفوا إلا بالله) أي: يجب أن يكون الحلف بالله، وليس المقصود أن يكون بلفظ الجلالة الذي هو (الله)، وإنما بأسمائه وصفاته؛ لأن الحلف بأسمائه وصفاته حلف به، والذي يقول: وعزة الله وجلالة الله حالف بالله، والذي يقول: وكلام الله، أو والرحمن والرحيم والعزيز والخبير والسميع والبصير هو حالف بالله.

وقوله: (ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون)، أي: إذا حلفتم بالله فلتكونوا صادقين، ولا تحلفوا على كذب، بل احلفوا على صدق.

والجملة الأولى فيها قصر الحلف على أن يكون بالله لا بغيره، والجملة الثانية فيها بيان أن الحلف بالله إنما يكون بالصدق، ولا يكون بغير الصدق، ولهذا قال: (ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون).

أي: لا تحلفوا بالله الذي أمرتم بالحلف به إلا على وجه الصدق لا على الكذب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>