[شرح حديث (فأعني على نفسك بكثرة السجود)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عمار حدثنا الهقل بن زياد السكسكي حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة قال: سمعت ربيعة بن كعب الأسلمي يقول: (كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم آتيه بوضوئه وبحاجته فقال: سلني؟ فقلت: مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود)].
أورد أبو داود حديث ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه أنه كان يبيت مع النبي صلى الله عليه وسلم ويخدمه، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (سلني؟ فقال: مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قال: هو ذاك)، يعني: هذا هو الذي أريد، قال: [(فأعني على نفسك بكثرة السجود)] ومعناه: اشتغل واجتهد في العبادة والصلاة.
ولا شك في أن الوقت الذي فيه الإتيان بالصلاة على وجه أكمل هو الليل، والحديث يشمل الصلاة في الليل وغير الليل، ولا يختص بالليل، ولكن الصلاة في الليل لها فضيلة ومزية، ولهذا أورده أبو داود رحمة الله عليه فيما يتعلق بصلاة الليل، ولكنه لا يختص بذلك، بل يمكن أن الإنسان يصلي في الضحى، ويصلي بعد الظهر وبعد المغرب، وفي كل الأوقات التي تجوز الصلاة فيها.
والمراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم: [(أعني على نفسك بكثرة السجود)] كثرة الصلاة، وليس المقصود السجود بدون صلاة، وإنما يصلي؛ لأن الصلاة يطلق عليها سجود، ويقال للركعة: سجدة، كما في قوله تعالى: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق:٤٠] يعني: أدبار الصلوات.
فالسجود المقصود به الصلاة، وليس المقصود به خصوص السجود، وهو كون الإنسان يسجد بدون صلاة؛ لأن التطوع والتنفل لا يكون بأقل من ركعتين، إلا الوتر فإنه يكون ركعة واحدة، وأما السجود وحده فلا يكون إلا في سجود الشكر أو التلاوة، أي: السجود بدون ركوع وبدون قيام.
قوله: [(فقال: سلني، فقلت: مرافقتك في الجنة)].
هذا هو الذي يريده، فهو يريد من النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع له وأن يدعو له، أو يخبر عنه بأنه من أهل الجنة مرافق له، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال له: [(أعني على نفسك بكثرة السجود)]؛ لأن هذا مما يعين على تحقيق مطلوبك وبغيتك.
وهذا -كما هو معلوم- له ولغيره؛ لأنه لو كان شهد له أو أعطاه ما يخصه لم يكن للناس شيء، فغيره له أن يعمل بمثل هذا العمل، ويكثر الصلاة، وهذا من أسباب دخول الجنة.
قوله: [(مرافقتك في الجنة)].
الذي يبدو أن يكون معه في الجنة، وليس بلازم أن يكون في منزلته صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن الإنسان إذا كان معه في الجنة فقد ظفر بالخير العظيم، المهم أن يكون الإنسان في الجنة، وأما كونه تكون له منزلة النبي صلى الله عليه وسلم فمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم تخصه، وليس معنى ذلك أن الناس لا يرون النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، بل يرونه ويراهم، ولكن ليست منزلته منزلتهم، كما أنهم مع تفاوت الدرجات يرى بعضهم بعضاً.