للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شرح حديث (ألم تري أن مجززاً المدلجي رأى زيداً وأسامة فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في القافة.

حدثنا مسدد وعثمان بن أبي شيبة المعنى وابن السرح قالوا: حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال مسدد وابن السرح: يوماً مسروراً، وقال عثمان: تعرف أسارير وجهه، فقال: أي عائشة! ألم تري أن مجززاً المدلجي رأى زيداً وأسامة رضي الله عنهما قد غطيا رءوسهما بقطيفة وبدت أقدامها فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض).

قال أبو داود: كان أسامة أسود، وكان زيد أبيض].

أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في القافة، والقافة: جمع قائف، وهم الذين يعرفون الشبه بين الناس، فعندهم فراسة وخبرة في ذلك، ويوجد في بعض القبائل العربية من يكون عنده حذق وفطنة وانتباه لمعرفة الأشباه، فكان يقال لهم: القافة.

وأورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوماً وهو مسرور تبرق أسارير وجهه عليه الصلاة والسلام، فقال: (أي عائشة! ألم تري أن مجززاً المدلجي نظر إلى أقدام زيد وأسامة وقد غطيا رءوسهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض)، وكان زيد أبيض وابنه أسامة أسود، وكان الناس يتكلمون في هذا الفرق بين الأب والابن، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يكره ذلك الكلام، ولكنه لما رأى هذا القائف الذي رأى أقدامهما بادية ورءوسهما مغطاة بالقطيفة وقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض -يعني: أن هذا من هذا- فرح صلى الله عليه وسلم وسر لهذا الكلام الذي قاله القائف، وهذا دليل على اعتبار علم القيافة وقول القائف؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر ذلك وسُرّ به، وهو صلوات الله وسلامه وبركاته عليه لا يسر بباطل، فهذا إذا يدل على اعتبار القيافة، فإذا حصل اشتباه ولم يكن هناك قرينة فإن الأمر يعرض على القافة، فمن قالت: إنه يشبه فلاناً فإنه يلحق به، فإذا كان هناك مثلاً وطء من عدد وصار الولد محتملاً أن يكون من هذا أو من هذا أو من هذا، فإنهم يعرضون على القافة ومن قدمته القافة فإن الولد ينسب إليه.

وهذا فيما لو أن رجالاً كانوا مالكين لأمة ووطئوها في طهر واحد فحملت، ولا يجوز لهم أن يطئوها جميعاً، ولكن لو حصل أنهم وطئوها جميعاً وجاءت بولد فإنه يعرض على القافة، وإذا قالوا: إنه يشبه فلاناً يلحق به؛ لأن هذا مرجح، وسيأتي فيما بعد حديث فيه: أن ثلاثة وطئوا امرأة -يعني: مملوكة لهم- في طهر واحد وأن علياً رضي الله عنه أقرع بينهم، وألزم الذي خرجت له القرعة أن يدفع لصاحبيه ثلثي الدية -أي: ثلثي القيمة- لكن القيافة مقدمة على القرعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتبر القيافة وأقرها، فإذا ميز القائف من يكون له الشبه وأنه يكون منه ومن سلالته فإنه يلحق به.

<<  <  ج:
ص:  >  >>