قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى:[أول كتاب الحروف والقراءات] فهناك أحرف نزل بها القرآن، وكانت في أول الأمر من أجل التخفيف على الناس، وهنا قال أبو داود: الحروف والقراءات، فيحتمل أنه يريد بالحروف والقراءات الألفاظ المترادفة، ويحتمل: أن يكون المراد بالحروف الأحرف السبعة, لكن الأحرف السبعة سبق أن مرت في كتاب الوتر حيث عقد لها باباً، فقال:[باب أنزل القرآن على سبعة أحرف]، والأحرف والقراءات بينهما فرق, فالأحرف قيل فيها: إنها لغات أو لهجات؛ وذلك أن القرآن أول ما نزل نزل بلغة العرب، والعرب متشتتون متفرقون يسود بينهم الاختلاف والتناحر والتباعد، حتى أن بعضهم لا يكاد يعرف لغة غيره، وقد نزل القرآن في أول الأمر على أحرف -أي: على لغات- من أجل التخفيف على الناس والتسهيل والتيسير عليهم، ولكنه بعد ذلك وفي زمن الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه قصر الناس على حرف واحد من الأحرف السبعة؛ وذلك أن الأحرف السبعة نزلت في الأول للتخفيف والتسهيل، وهي عدة لغات من لغات العرب، وبعد أن دخل الناس في الإسلام، ووحد الإسلام بين من دخل فيه من العرب، وصار العرب أمة واحدة، وذلت ألسنتهم، واتصل بعضهم ببعض، وعرف كل لغة الآخر، لم يكن هناك حاجة إلى بقاء هذه الأحرف؛ لما يترتب على ذلك من الاختلاف , فـ عثمان رضي الله عنه رأى أن من المصلحة ومن الفائدة عند جمعه للقرآن أن يقتصر على حرف واحد وهو حرف قريش أو لغة قريش وأحرق ما سوى ذلك, ومن المعلوم أنه لما كان نزوله أولاً من أجل التخفيف والمقصود الذي نزل من أجله القرآن على هذه الأحرف انتهى باتصال العرب بعضهم ببعض، وفهم بعضهم لغة الآخرين، فلغة قريش إذا اقتصر عليها أو على الحرف الذي نزل بها فإن بقية العرب يعرفون ذلك، وهذا من المصلحة والفائدة.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه إعلام الموقعين تسعة وتسعين دليلاً من أدلة سد الذرائع التي توصل إلى محذور، وجعل الدليل التاسع والتسعين من هذه الأدلة: جمع عثمان رضي الله عنه القرآن على حرف واحد؛ لأن البقاء عليها يؤدي إلى الاختلاف، وقد كان نزولها من أجل أنهم كانوا متفرقين، وبعد ذلك لم تكن هناك حاجة إلى بقائها، لذلك اقتصر على حرف واحد.