للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث وضع النبي أصبعيه على عينه وأذنه لإثبات صفتي السمع والبصر]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن نصر ومحمد بن يونس النسائي المعنى قالا: حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ حدثنا حرملة -يعني ابن عمران - حدثني أبو يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة قال: سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:٥٨]، إلى قوله تعالى: {سَمِيعًا بَصِيرًا}، قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه)، قال أبو هريرة: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ويضع أصبعيه) قال ابن يونس: قال المقرئ: يعني أن الله سميع بصير، يعني أن لله سمعاً وبصراً.

قال أبو داود: وهذا رد على الجهمية].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:٥٨]، ويضع إبهامه على أذنه والأصبع التي تليها على عينه، أي: أنه يبين السمع والبصر، ولكن ليس في ذلك تشبيه، وإنما هو بيان للسمع والبصر، وأن الله تعالى سميع بصير.

ومعلوم أن الله عز وجل له سمع وبصر، لا كالأسماع والأبصار، وللمخلوقين أسماع وأبصار معروفة مشاهدة معاينة، وما يضاف إلى الله عز وجل من السمع والبصر يختلف عما يضاف إلى المخلوقين من السمع والبصر، وإنما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك ليبين إثبات السمع والبصر لله تعالى، وليس في ذلك شيء سوى هذا، ولهذا قال في آخره نقلاً عن المقرئ: [يعني أن لله سمعاً وبصراً].

قوله: [وفي ذلك رد على الجهمية] أي الذين ينفون صفتي السمع والبصر عن الله سبحانه وتعالى، والله عز وجل جمع بين إثبات السمع والبصر وتنزيهه عن المشابهة، فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]، فأثبت السمع والبصر ونفى المشابهة.

فالتشبيه أن يقول الإنسان: لله سمع كسمعي وبصر كبصري، وأما أن يقول: سمع لا كالأسماع وبصر لا كالأبصار، فهذا ليس فيه تشبيه.

وليس لأحد الآن إذا روى هذا الحديث أن يصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد يفعل ذلك من لا يفهم، فيترتب على ذلك المحذور الذي هو التشبيه، أو تصور التشبيه، ولا نفصل فنقول: إن كان بين طلبة علم يعرفون جاز ذلك، بل نقول: يكفي قراءة الحديث، فإنه واضح في تحديد المراد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>