للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (الراحمون يرحمهم الرحمن)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرحمة.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومسدد المعنى قالا: حدثنا سفيان عن عمرو عن أبي قابوس مولى لـ عبد الله بن عمرو عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء) لم يقل مسدد: مولى عبد الله بن عمرو، وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم].

أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب في الرحمة، والمقصود بذلك أن يرحم الإنسان الخلق ويرحم الناس ويرحم الدواب والبهائم، أي: ما ينتفع به ولا يؤذي، أما ما يؤذي ولا يستحق الرحمة بل بإيذائه يستحق أن يتخلص منه مثل الحيات والعقارب وما إلى ذلك، فهذا يعمل على التخلص منه، وعلى إتلافه وقتله حتى يسلم الناس من شره، ولكن ذلك فيمن يستحق الرحمة، فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الراحمون يرحمهم الرحمن) وهذا لأن الجزاء من جنس العمل، فكما أنهم يَرحمون يُرحمون، فحينما حصلت منهم رحمة للخلق الذين يستحقون الرحمة فجزاؤهم أن يرحمهم الله تعالى.

وقوله: (من في السماء) أي: الله، والمقصود بالسماء: العلو، والله تعالى في العلو فوق العرش، وهذا هو معنى السماء التي يقال: إن الله تعالى فيها، أي: في العلو، وكل ما علا فهو سماء، والله تعالى عالٍ على خلقه فوق عرشه، لا أنه في داخل المخلوقات، فإن المخلوقات لا تحويه سبحانه وتعالى، بل هو أعظم وأجل.

والله عز وجل لما خلق الخلق كان هو وحده وليس معه غيره، ثم خلق الخلق، وهو عز وجل مغاير لخلقه ليس حالاً فيهم وليسوا حالين فيه، وإنما هم مباينون له، والله عز وجل فوق العرش وهو في السماء، أي: في العلو، وهذا هو المقصود بقوله: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦].

ولا يتصور أو يفهم أن المقصود بذلك السماء التي بناها الله عز وجل وخلقها وأوجدها، فالله تعالى فوقها وفوق كل شيء، وهو عالٍ على خلقه وفوق خلقه، لا يحل في المخلوقات والمخلوقات لا تحل فيه سبحانه وتعالى، هذا هو معنى السماء هنا.

ومن العلماء من قال: إن المقصود بالسماء: السماء المبنية، ولكن (في) بمعنى (على)، ويكون معنى (في السماء) أي: فوقها، ويكون نظير قول الله عز وجل: (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:٧١] أي: على جذوع النخل؛ لأنه لن يصلبهم في وسط الجذوع بأن يحفر لهم ويدخلهم فيها، وإنما يصلبهم على الجذوع، فـ (في) بمعنى (على)، فإذا أريد بالسماء السماء المبنية فالله تعالى عليها، أي: فوقها وفوق كل شيء، وإن أريد بالسماء العلو فهو على بابه، والله تعالى في السماء فوق العرش بائن من خلقه، والخلق بائنون منه، ليس حالاً فيهم، وليسوا حالين فيه سبحانه وتعالى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>