للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث قتل العرنيين حرابة من طريق ثالثة]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان قال: أخبرنا ح وحدثنا عمرو بن عثمان حدثنا الوليد عن الأوزاعي عن يحيى -يعني ابن أبي كثير - عن أبي قلابة عن أنس بن مالك بهذا الحديث قال فيه: (فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم قافة، فأتي بهم، قال فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة:٣٣] الآية]).

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك من طريق أخرى، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل في طلبهم قافة، والقافة: هم الذين يعرفون الآثار، فالأول أرسل في طلبهم، والذين أرسلوا لم يذكر اختصاصهم، وأنهم من صنف معين، وفي هذه الرواية بيان أنهم قافة، وهم الذين يعرفون الآثار، وهذا دليل على استعمال القافة، وأن ذلك سائغ، وقد جاء في ذلك أحاديث، ومنها قصة مجزز المدلجي الذي جاء في الصحيحين، وأنه رأى أسامة بن زيد وأباه في لحاف وقد بانت أرجلهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وذلك أن كل واحد منهما لونه يختلف عن الآخر، فالرسول عليه الصلاة والسلام فرح بقول هذا القائف الذي رأى الأقدام، وقال: إن بعضها من بعض، فالحديث الذي معنا ومع هذا الحديث وغيره من الأحاديث فيه دليل على الأخذ بالقافة، وعلى الاستفادة منهم فيما أقدرهم الله عز وجل عليه من معرفة الآثار.

قوله: [قال: (فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم قافة، فأتي بهم، قال فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة:٣٣] الآية)].

أنزل الله عز وجل هذه الآية: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة:٣٣]، وهذه الآية الكريمة فيها حكم المحاربة, وبعض أهل العلم قال: إنما هي للتخيير، وأن هذا يرجع إلى الإمام، وأنه يفعل الذي يرى فيه المصلحة، فإذا رأى القتل قتل، وإذا رأى القطع قطع، وإذا رأى النفي نفى، وإذا رأى الصلب صلب، فالأمر يرجع إلى اختيار الإمام فيختار ما فيه الأصلح.

ومن العلماء من قال: إن هذا يرجع إلى أحوالهم وما يجري منهم، فإذا كانوا قتلوا ولم يأخذوا مالاً قتلوا، وإذا كانوا قتلوا وأخذوا مالاً قتلوا وصلبوا, وإذا كانوا أخذوا مالاً ولم يقتلوا فإنهم تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا لم يحصل منهم شيء من ذلك وإنما حصل منهم إخافة فإنهم ينفون من الأرض.

<<  <  ج:
ص:  >  >>