[قول ابن القيم في المراد بتعذيب الميت ببكاء أهله عليه]
قال ابن القيم رحمه الله: المسلك الرابع: أن المراد بالحديث: ما يتألم به الميت ويتعذب به من بكاء الحي عليه، وليس المراد أن الله يعاقبه ببكاء الحي عليه، فإن التعذيب هو من جنس الألم الذي يناله بمن يجاوره مما يتأذى به ونحوه، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(السفر قطعة من العذاب)، وليس هذا عقاباً على ذنب وإنما هو تعذيب وتألم، فإذا وبِّخ الميت على ما يُناح به عليه لحقه من ذلك تألم وتعذيب، ويدل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال: أُغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته عمرة تبكي: واجبلاه! واكذا! واكذا! تَعُد عليه، فقال حين أفاق: ما قلتِ شيئاً إلا قيل لي: أأنت كذلك؟! وقد تقدم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث عبد الله بن ثابت:(فإذا وجب فلا تبكين باكية)، وهذا أصح ما قيل في الحديث.
قوله: إذا وجب، أي: أنه بعد حصول الموت، وهذا أصح ما قيل في الحديث، وهو الذي اختاره ابن القيم من المسالك الأربعة.
ويقول: ابن القيم: ولا ريب أن الميت يسمع بكاء الحي ويسمع قرع نعالهم، وتعرض عليه أعمال أقاربه الأحياء، فإذا رأى ما يسوءه تألم له، وهذا ونحوه مما يتعذب به الميت ويتألم، ولا تعارض بين ذلك وبين قوله تعالى:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام:١٦٤].
انتهى.
هذا الكلام غير واضح، أي: كون الميت يسمع بكاء أهله وغير ذلك، فهذا الكلام غير واضح؛ لأن هذه من أمور الغيب التي لا يقال فيها إلا بدليل، وأما ما يتعلق بقرع النعال فقد جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه يسمع قرع نعالهم، فأمور الغيب يقتصر فيها على ما ورد، وما لم يرد يُسْكت عنه، ومما يدل على أن الميت لا يعلم ما يجري بعده، ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:(يذاد أناس عن الحوض فيقول: أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك فلا حاجة لأن يقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إذا كان يدري، فقولهم له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، يدل على أن أمور الغيب لا يثبت منها شيء إلا بدليل.