للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا ثور بن يزيد قال: حدثني خالد بن معدان حدثني قال: عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر قالا: (أتينا العرباض بن سارية رضي الله عنه -وهو ممن نزل فيه ((وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ)) [التوبة:٩٢]- فسلمنا وقلنا أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين، فقال العرباض: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله! كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)].

أورد أبو داود حديث العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه، وهو ممن نزل فيه {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة:٩٢] أي: أنه كان من أهل الحاجة، ومن الفقراء الذين كانوا يحرصون على أن يخرجوا للجهاد، ولكن لم يكن معهم ظهور يركبونها، فأتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون منه أن يحملهم، فاعتذر لهم؛ لأنه لم يجد ما يحملهم عليه، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع؛ لأنهم لم يتمكنوا من المجاهدة مع الناس.

قوله: [أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين] أي: جاءوا لزيارته وعيادته والاستفادة من علمه، فحدثهم بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (إن الرسول صلى الله عليه وسلم وعظهم موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون) يعني: حصل التأثر لقلوبهم وعيونهم، فعيونهم بكت، وقلوبهم وجلت، (فلما سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: كأنها موعظة مودع) أي: أنهم خشوا أن تكون نهايته قد قربت، فطلبوا منه أن يعهد إليهم، فالإنسان إذا أراد أن يسافر يبين ما يحتاج إلى أن يفعله أهله من ورائه، فيبين لهم ما يريد أن يفعلوه في حال غيبته، فأوصاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة، فقال: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة)، وتقوى الله عز وجل هي أن يجعل الإنسان بينه وبين غضب الله وقاية تقية منه، وذلك يكون بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، فهذه هي التقوى بالمعنى الشرعي، وأما معناها اللغوي فهو أوسع من الشرعي، وهو أن يجعل الإنسان بينه وبين أي شيء مخوف وقاية تقيه منه، فكل ما تخافه فإنك تجعل بينك وبينه وقاية، فالبرد مخوف فتجعل بينك وبينه وقاية بلبس الألبسة التي تقيك منه، والشوك والحصى والرمضاء في الأرض مخوف، فتلبس النعال والخفاف، وكذلك تتخذ البيت من أجل أن تتقي الشمس والبرد وهكذا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>