للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شرح حديث: (مروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة فأثنوا عليها خيراً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الثناء على الميت.

حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن إبراهيم بن عامر عن عامر بن سعد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (مروا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بجنازة فأثنوا عليها خيراً فقال: وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال: وجبت، ثم قال: إن بعضكم على بعض شهداء)].

قوله: [باب في الثناء على الميت]، ثناء الناس على الميت بالخير يرجى معه أن يكون كذلك، وأن يكون ممن وفقه الله عز وجل، ولكنه لا يقطع له بالجنة، وذكر الناس لشخص بسوء يخشى عليه أن يكون كذلك، ولكنه لا يقطع له بشيء؛ لأن ذلك من الأمور الغيبية التي لا يطلع عليها إلا الله عز وجل.

وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (مروا بجنازة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثنوا عليها خيراً فقال: وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال: وجبت، ثم قال: إن بعضكم على بعض شهداء) أي: أن تلك الشهادة التي شهدوها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لها شأن ومنزلة، ولذلك قال: (وجبت) فالذي أثنوا عليه خيراً يكون من أهل الخير، والذي أثنوا عليه شراً يكون من أهل الشر، وهذا الذي حصل بين يديه صلى الله عليه وسلم الأمر فيه واضح، فقد أخبر عليه الصلاة والسلام بأن هذا الذي أثنوا عليه خيراً قد وجبت له الجنة، وأن ذاك الذي أثنوا عليه شراً قد جبت له النار، لكن هذا لا يعني أن كل من يثنى عليه بالخير أو بالشر يكون كذلك، وأنه تجب له الجنة أو النار، فإن العلم عند الله عز وجل، وأما هذا الذي حصل من النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: (وجبت) فأمره واضح، فقد أيده النبي صلى الله عليه وسلم وصدقه، وقال: (وجبت).

وأما غيره: فإذا أثنى الناس على أحد بخير أو بشر فلا يقال: وجبت له الجنة، أو وجبت له النار، وإنما يقال: يرجى للمحسن، ويُخاف على المسيء.

ومما يوضح هذا المعنى ما جاء في الحديث الصحيح: (أن رجلاً كان في إحدى الغزوات، وكان قد أبلى بلاء عظيماً في سبيل الله، فأثنوا عليه ثناء عظيماً، وأنه لم يترك شيئاً فيه نكاية بالعدو إلا وعمله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو من أهل النار)، ومع ذلك فإنهم كانوا قد شهدوا له بالعمل وبالجهد العظيم، ومع ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (هو في النار)، فصار على خلاف ما ظهر لهم منه، فقال أحد الصحابة: أنا آتيكم بخبره، فصار يتابعه، فإذا أسرع أسرع وإذا تأخر تأخر، حتى أصيب في يده، فجزع من ذلك فجعل نصل سيفه على الأرض ورأسه على صدره فتحامل عليه حتى قتل نفسه، فجاء وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال عليه الصلاة والسلام عند ذلك: (إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر).

فهذا الذي أثنوا عليه خيراً وذلك الذي أثنوا عليه شراً فقال عليه الصلاة والسلام: (وجبت) لا شك أنه قد وجب له ذلك، وأما غيره ممن يثنى عليه سواء كان في زمن الصحابة أو بعد زمن الصحابة فلا يقطع له بجنة ولا نار، ولكنه يرجى للمحسن ويخاف على المسيء.

ومما يوضح هذا المعنى أيضاً ما جاء في بعض الروايات أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (توشكون أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار، قالوا: بم ذلك يا رسول الله؟! قال: بالثناء الحسن والثناء السيئ)، ومعنى (توشكون): تقربون، أي: أنه ليس شيئاً محققاً، وإنما شيء مقارب، والمعنى: أنه لا يجزم به، وعلى هذا: فإن من أثني عليه خير فيرجى له الخير والثواب العظيم من الله، ومن أثني عليه شر فيخشى عليه، والعلم بالحقائق إنما هو عند الله سبحانه وتعالى.

وأما ما جرت به العادة في بعض البلدان من أنهم إذا فرغوا من صلاة الجنازة قال الإمام: ما قولكم في هذا الميت؟ فيقولون: خيراً، فهذا غلط، وهذا الكلام لا يصلح أن يقال؛ لأن هذا الفعل ليس له أساس في الدين، هذا أولاً.

وثانياً: أنه قد يتكلم متكلم في من هو على خير بخلاف ذلك، وقد يكون أيضاً بالعكس، فمثل هذا لا يصلح ولا يليق أن يكون.

<<  <  ج:
ص:  >  >>