قال رحمه الله:[وإنما لم أصنف في كتابي السنن إلا الأحكام، ولم أصنف كتب الزهد وفضائل الأعمال وغيرها].
أخبر أبو داود رحمة الله عليه بأن كتابه اعتنى بأحاديث الأحكام، ولم يجعل فيه شيئاً من الزهد والفضائل، وإنما أراد أن يكون كتاب أحكام.
وله في الزهد كتاب مستقل ومؤلفات أخرى، ولكنه أراد أن يكون هذا الكتاب كتاب أحكام، ولهذا يعتبر كتاب أبي داود رحمة الله عليه من الأصول التي يعول عليها في الأحكام، بخلاف بعض العلماء الذين يدخلون في مؤلفاتهم الزهد والرقائق وما إلى ذلك، فهو يقول: إنه ما أراد أن يكون كتابه في الزهد والفضائل، وإنما أراد أن تكون عنايته بالأحكام التي يعول عليها الناس في عباداتهم ومعاملاتهم، وكذلك في عقائدهم؛ لأنه ذكر في كتابه كتاب السنة الذي اشتمل على أحاديث كثيرة كلها في العقيدة.
قال رحمه الله:[فهذه الأربعة الآلاف والثمانمائة كلها في الأحكام، فأما أحاديث كثيرة في الزهد والفضائل وغيرها من غيرها من غير هذا لم أخرجه، والسلام عليكم ورحمة والله وبركاته، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً، وحسبنا الله ونعم الوكيل].
هذا هو آخر رسالته التي وصف فيها سننه، ولاشك أنها مشتملة على أمور كثيرة، كما قلت سابقاً: صاحب البيت أدرى بما فيه، فالمؤلف إذا بين خطته ومنهجه وطريقته فهو أدرى وأخبر.
وبعض المؤلفين لا يوجد عنده شيء يوضح منهجه وطريقته، ولهذا يحتاج العلماء إلى أن يبحثوا عن شيء يكشف المنهج والطريقة، مثلما حصل للبخاري رحمة الله عليه في صحيحه فإنه ما ذكر منهجه؛ ولكن العلماء استخلصوا منهجه وطريقته بالاستقراء والتتبع كما فعل الحافظ ابن حجر في فتح الباري، حيث ذكر جملة كبيرة من الأمور التي توصل إليها بالاستقراء والتتبع من منهج البخاري وطريقته في إخراجه للأحاديث التي أوردها في كتابه الجامع الصحيح، وبهذا انتهت تلك الرسالة.