[شرح حديث (من تعار من الليل فقال حين يستيقظ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يقول الرجل إذا تعار من الليل.
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي حدثنا الوليد قال: قال الأوزاعي: حدثني عمير بن هانئ حدثني جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من تعار من الليل فقال حين يستيقظ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم دعا: رب اغفر لي -قال الوليد: أو قال: دعا- استجيب له؛ فإن قام فتوضأ ثم صلى قبلت صلاته)].
أورد أبو داود [باب ما يقول الرجل إذا تعار من الليل] يعني: من استيقظ من الليل وذكر الله عز وجل، وقد مر الحديث في التعار من الليل وأنه الاستيقاظ.
وقيل: إن المقصود به هيئة الاستيقاظ وأنه يحصل منه صوت أو يحصل منه تمط، ولكنه كما هو معلوم سواء حصل هذا أو لم يحصل المهم أنه إذا قام من نومه واستيقظ فإنه يذكر الله عز وجل.
قوله: [(من تعار من الليل فقال حين يستيقظ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)] وهذا ثناء على الله عز وجل فيه الاعتراف بأُلوهيته، وأنه هو الإله الحق وحده لا شريك له الذي لا تكون العبادة إلا له، و (لا) نافية و (إله) اسمها فهي نافية للجنس أي: نافية لجنس الإله، إلا أن يكون بحق وهو الله سبحانه وتعالى، والتقدير لا إله حق إلا الله، ولا يكون التقدير لا إله موجود فإن هذا كلام غير صحيح؛ لأنه مخالف وغير مطابق للواقع؛ لأن الآلهة موجودة مع الله من ناحية الوجود، وتعبد من غير الله، لكن الآلهة التي تعبد من غير الله تعبد بغير حق.
فإذاً: (لا إله حق إلا الله) هذا هو الذي يستقيم به المعنى ويكون مطابقاً للواقع، أما إذا قدر لا إله موجود فإنه يكون باطلاً وغير مطابق للواقع ويكون كذباً؛ لأن الآلهة والمعبودات التي يعبدها المشركون والكفار موجودة، منهم من يعبد الملائكة ومنهم من يعبد الجن ومنهم من يعبد الشجر ومنهم من يعبد الحجر وكل هذه أمور موجودة، ولكن المعبود بحق والإله بحق هو الله سبحانه وتعالى.
قوله: [(لا إله إلا الله وحده لا شريك له)] كلمة (وحده) مؤكدة لـ (إلا الله)، و (لا شريك له) مؤكدة للنفي في (لا إله) لأن (وحده لا شريك له) تعادل (إلا الله) ومعناها: لا شريك لله بل هو الإله وحده.
إذاً: فالجملة الأخيرة مؤكدة للجملة قبلها وهي لا إله إلا الله إلا أنها مقلوبة ليست على الترتيب الأول، وهي مؤكدة للإثبات الذي في الآخر فصار التأكيد في الإثبات متصلاً بعضه ببعض (إلا الله وحده).
قوله: [(لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد)] أي: فهو مالك الملك وهو الذي بيده الملك وهو الذي يحمد على كل حال.
قوله: [(وهو على كل شيء قدير)] أي: لا يعجزه شيء، بل هو قدير على كل شيء سبحانه وتعالى، وهذا لفظ عام لا يستثنى منه شيء، وأما قول المتكلمين المتكلفين: وخص العقل ذاته فليس عليها بقادر، فهذا من التكلف، نعم.
ذات الله شيء، لكنها لا تدخل تحت قوله: وهو على كل شيء قدير، مع ما يدخل تحت قدرة الله عز وجل في كونه يوجد ويميت ويحيي.
وتفسير الجلالين مع اختصاره ووجازته ما سلم من مثل هذا التكلف، فإنه عند ختام سورة المائدة وهي: {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة:١٢٠] قال: وخص العقل ذاته فليس عليها بقادر، مع أنه مختصر جداً ومع ذلك يأتي بهذا الباطل ويحافظ عليه ولا ينسى، مع أنه تكلف وكلام باطل.
قوله: [(سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوله إلا بالله)] هذه خمس جمل: سبحان الله: وهي تنزيه لله عز وجل، والحمد يأتي للإثبات، فهناك تنزيه وإثبات، فالمحامد هي إضافات تضاف إلى الله عز وجل، وأما سبحان فإنه تنزيه لله عز وجل عما لا يليق به؛ ولهذا يأتي كثيراً في بعض الأحاديث: (سبحان الله وبحمده) فيجمع بين التسبيح والتحميد؛ لأن هذا تنزيه وهذا إثبات، هذا نفي وهذا إثبات، فيكون الإنسان جامعاً بين هذا وهذا.
ولا إله إلا الله هذه كلمة الإخلاص وكلمة التوحيد.
ولا حول ولا قوة إلا بالله، يعني: أن الإنسان يبرأ من الحول والقوة، وأنه لا يحصل ذلك إلا بالله ولا يقدر على ذلك إلا بإقدار الله، وأن كل شيء يرجع إلى قدرة الله وإلى مشيئة الله وإرادته، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكما قال عليه الصلاة والسلام في وصيته لـ ابن عباس: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك)، ثم ما يحصل عن طريق الناس من الإحسان هو من الله عز وجل الذي سخرهم، وهو الذي وفقهم لأن يحصل منهم الإحسان لمن حصل منه الإحسان، وهو الذي وفق لدفع الشر ممن فيه شر عن وصول الشر إلى من يريدون إيصاله إليه، فالله عز جل إذا شاء شيئاً وجد سواء كان خيراً أو شراً، لا يقع في ملك الله إلا ما شاءه الله.
فلا يقع في الوجود شيء إلا بمشيئته وإرادته، سواء كان نافعاً أو ضاراً.
والله أكبر تعظيم لله عز وجل، وأنه أكبر من كل شيء وأعظم من كل شيء، وكل شيء ضئيل أمام عظمته وكبريائه سبحانه وتعالى.
قوله: [(ثم دعا: رب اغفر لي)] يأتي كثيراً في أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم التمهيد للطلب والدعاء بتعظيم الله عز وجل وتقديسه وتنزيهه وتمجيده والثناء عليه، وهذا من أسباب قبول الدعاء، مثل ما جاء في قصة الرجل الذي دعا دون حمد وثناء، فقال عليه الصلاة والسلام: (عجل هذا) حيث دعا ولم يحمد الله ولم يصل على رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولهذا شرع في صلاة الجنازة قبل الدعاء للميت في الصلاة قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى، والصلاة على النبي صلى عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية، ثم الدعاء بعد الثالثة، فيكون قد سبق بشيء هو من أسباب قبول الدعاء، فهديه عليه الصلاة والسلام أنه في كثير من الأدعية تكون الأدعية مسبوقة بحمد وثناء وتمجيد وتعظيم وتنزيه لله سبحانه وتعالى.
[(قال الوليد أو قال: دعا استجيب له)].
يعني أن الوليد قال: دعا، وما قال: رب اغفر لي، فهو شك، هل قال هذا أو قال هذا، فكلمة (دعا) عامة، وكلمة (رب اغفر لي) دعاء خاص وهو طلب المغفرة.
قوله: [(فإن قام فتوضأ ثم صلى قبلت صلاته)].
يعني: فإن حصل منه أن قام من الليل وذكر الله بهذا الذكر ثم قام وتوضأ وصلى قبلت صلاته؛ لأنه أخذ بأسباب القبول، حيث وجد منه هذا الذكر وهذا الثناء على الله عز وجل، ثم أضاف إلى ذلك أن هب من نومه فتوضأ وصلى، فتقبل صلاته.
قوله: [(من تعار من الليل)] يدخل في هذا ما إذا استيقظ من غير إرادة منه، أو عمل شيئاً ينبهه ليقوم، فكل ذلك داخل؛ لأن كله استيقاظ سواء كان بسبب أو بغير سبب.