شرح حديث (مر بي رسول الله وأنا أطين حائطاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في البناء.
حدثنا مسدد بن مسرهد قال حدثنا حفص عن الأعمش عن أبي السفر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (مر بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أطين حائطاً لي أنا وأمي، فقال: ما هذا يا عبد الله؟! فقلت: يا رسول الله! شيء أصلحه، فقال: الأمر أسرع من ذلك)].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باباً فيما جاء في البناء.
والمقصود من ذلك بنيان البيوت وغيرها، والمقصود من ذكر هذه الترجمة ذكر ما ورد من الأحاديث المتعلقة بالبناء، والحاجة إلى البنيان أمر معلوم، والناس لابد لهم من البنيان واتخاذ الأماكن التي يتخذونها سكناً، والمحذور هو الذي يكون فيه مفاخرة وتكبر أو ما إلى ذلك.
وقد أورد أبو داود عدة أحاديث أولها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو يطين حائطاً له هو وأمه، والمقصود بالتطيين: أنه يبني شيئاً بالطين، فقال: ما هذا؟ قال: شيئاً نصلحه، يعني: أنه فيه خلل فيصلحه.
قال: (الأمر أسرع من ذلك) يعني: أن الموت قريب.
وهذا لا يدل على المنع من ذلك، بل فيه بيان ذهاب وفناء الدنيا، وأن الإنسان لابد أن يغادر هذه الحياة الدنيا، وأن عليه أن يعتني بعمارة الدار الآخرة، وإذا فعل ما يحتاج إليه من البنيان في هذه الحياة الدنيا فلا بأس بذلك، ولهذا كان بعض العلماء قد وعظ البعض وعظاً عظيماً كبيراً، ونصحه بنصيحة قيمة وموعظة بليغة، وكان مما قاله فيها: فاعمر قبرك كما عمرت قصرك.
إشارة إلى الاستعداد للدار الآخرة، وأن الإنسان يعمل الأعمال الصالحة التي يجد فيها السلامة والنجاة في القبر وما بعد القبر، أما وقد حصلت العناية في أمور الدنيا فلا بد أن تكون العناية بما هو أهم وأعظم من أمور الآخرة.
والرسول صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة نزل ضيفاً على أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وكان بيته مكوناً من دورين، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في الدور الأسفل، وكان هو في الدور الأعلى، فجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يتحول من الأسفل إلى الأعلى، وقال: لا أحب أن أكون فوقك يا رسول الله، فانتقل عليه الصلاة والسلام إلى الدور الأعلى.
فالبنيان المحتاج إليه لا بأس به، وهذا أمر لا بد منه، وهو من الأمور الضرورية للناس، وهذا الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ليس منعاً، وإنما هو تنبيه إلى ما هو الأهم والأعظم، وأن الإنسان يستعد للموت، والاستعداد للحياة لا يحتاج إلى أن يوصى الإنسان به فهو مستعد بدون أن يوصى، ولكن الاستعداد للآخرة هو الذي يحتاج إلى تنبيه ووصية.