قال المصنف رحمه الله تعالى:[حدثنا داود بن رشيد حدثنا خالد بن حيان الرقي حدثنا سليمان بن عبد الله بن الزبرقان عن يعلى بن شداد بن أوس أنه قال: شهدت مع معاوية رضي الله عنه بيت المقدس، فجمع بنا، فنظرت فإذا جل من في المسجد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فرأيتهم محتبين والإمام يخطب.
قال أبو داود: كان ابن عمر يحتبي والإمام يخطب، وأنس بن مالك، وشريح، وصعصعة بن صوحان، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم النخعي، ومكحول، وإسماعيل بن محمد بن سعد، ونعيم بن سلامة قال: لا بأس بها.
قال أبو داود: ولم يبلغني أن أحداً كرهها إلا عبادة بن نسي].
أورد أبو داود هذا الأثر عن يعلى بن شداد بن أوس، وهو تابعي يحكي أنه حضر بيت المقدس مع معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه، فجمع بالناس، قال:[فرأيت جل من في المسجد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ورأيتهم محتبين والإمام يخطب] يعني: قد اتخذوا الحبوة، ثم ذكر أبو داود أن هذا فعله عبد الله بن عمر وأنس وعدد كثير من التابعين، وأنهم كانوا لا يرون بأساً بالاحتباء يوم الجمعة والخطيب يخطب، وقال أبو داود:[لم يبلغني أن أحداً كرهها إلا عبادة بن نسي]، لكن جاء هذا عن غيره، وهؤلاء الذين جاء عنهم الاحتباء منهم عدد جاء عنهم أيضاً كراهية الاحتباء كما في عون المعبود، والذي يظهر من صنيع أبي داود أنه لا يرى النهي من الاحتباء، وأنه يرى جوازه، ولهذا بوب الترجمة بقوله:[الاحتباء والإمام يخطب] وما قال: النهي عن الاحتباء والإمام يخطب، ثم ذكر هذا العدد من الصحابة والتابعين الذين يرون أن الاحتباء لا بأس به، وروى هذا الأثر الذي فيه أن جل الحاضرين كانوا محتبين وهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث الذي فيه النهي حديث حسن ثابت، والعمل به هو الذي ينبغي، ولعل هؤلاء الذين لم يأخذوا به ما بلغهم أو لم يصح عند أحد منهم، أو أنه بلغهم ولكنهم رأوا أنه من قبيل كراهة التنزيه، وأن الاحتباء جائز وليس بمحرم.