[شرح حديث ابن عباس في بيان صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر حدثنا هشام بن سعد حدثنا زيد عن عطاء بن يسار قال: قال لنا ابن عباس رضي الله عنهما: (أتحبون أن أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فدعا بإناء فيه ماء فاغترف غرفة بيده اليمنى فتمضمض واستنشق، ثم أخذ أخرى فجمع بها يديه، ثم غسل وجهه، ثم أخذ أخرى فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ أخرى فغسل بها يده اليسرى، ثم قبض قبضة من الماء ثم نفض يده، ثم مسح بها رأسه وأذنيه، ثم قبض قبضة أخرى من الماء فرش على رجله اليمنى وفيها النعل، ثم مسحها بيديه: يد فوق القدم ويد تحت النعل، ثم صنع باليسرى مثل ذلك)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ولكنه ليس واضحاً في مطابقة الترجمة؛ لأنه ليس فيه ذكر المرتين مرتين، وإنما فيه ذكر المرة الواحدة؛ لأنه كان يأخذ غرفة ويغسل بها وجهه، وغرفة يغسل بها يده اليمنى، وغرفة يغسل بها يده اليسرى وهكذا، فهو لا يتفق مع الترجمة هذه، وإنما يتفق مع الترجمة التي بعدها وهي: باب الوضوء مرة مرة.
قوله: [عن عطاء بن يسار قال: قال لنا ابن عباس رضي الله عنهما: (أتحبون أن أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فدعا بإناء فيه ماء فاغترف غرفة بيده اليمنى فتمضمض واستنشق، ثم أخذ أخرى فجمع بها يديه، ثم غسل وجهه)].
يعني: أن الغرفة بدل ما كانت في يد وحدة جعلها في اليدين وغسل وجهه باليدين.
قوله: [(ثم أخذ أخرى فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ أخرى فغسل بها يده اليسرى، ثم قبض قبضة من الماء ثم نفض يده، ثم مسح بها رأسه وأذنيه)].
يعني: أن الماء الذي كان للرأس ليس ماءً محمولاً في اليدين إلى الرأس حتى يصب عليه، وإنما بلَّ اليدين في الماء، ومسح رأسه بما بقي في يديه من الماء، وهذا يطابق ما سبق أن تقدم أنه مسح رأسه بفضل ماء بقي في يديه، كما في رواية الربيع التي سبق أن مرت.
قوله: [(ثم قبض قبضة أخرى من الماء فرش على رجله اليمنى وفيها النعل، ثم مسحها بيديه: يد فوق القدم ويد تحت النعل، ثم صنع باليسرى مثل ذلك)].
وهذا الذي ذكر فيما يتعلق بقضية الرجلين-أي: أنه رش عليهما ومسحها يد فوق القدم ويد تحت النعل- غير صحيح؛ لأنه مخالف لما جاء في الروايات الأخرى من أنه غسلهما، وأن الرجلين تغسلان ولا تمسحان، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(ويل للأعقاب من النار) فحكمهما الغسل وليس المسح، ولكن يمكن أن يقال: إن المسح المذكور في بعض الروايات المراد به الغسل الخفيف، وليس المراد به المسح الذي هو مثل المسح على الخفين ويكون في جهة معينة، بل الغسل يكون للرجل كلها حتى تستوعب، ولكن يكون الغسل خفيفاً، والغسل الخفيف يقال له: مسح، لكن كونه يرش على رجليه وهما في النعلان ويجعل يده تحت نعليه ويده الأخرى فوق قدميه أو فوق رجله هذا لا يتفق مع الرواية الأخرى التي فيها غسل الرجلين.