[شرح حديث تصدق أبي طلحة بأريحاء]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في صلة الرحم.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد -هو ابن سلمة -عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال لما نزلت: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:٩٢]، قال أبو طلحة رضي الله عنه: يا رسول الله! أرى ربنا يسألنا من أموالنا، فإني أشهدك أني قد جعلت أرضي بأريحاء له، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اجعلها في قرابتك، فقسمها بين حسان بن ثابت وأبي بن كعب رضي الله عنهما).
قال: أبو داود: بلغني عن الأنصاري محمد بن عبد الله قال: أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرام، يجتمعان إلى حرام، وهو الأب الثالث، وأبي بن كعب بن قيس بن عتيك بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار، فـ عمرو يجمع حسان وأبا طلحة وأبياً، قال الأنصاري: بين أبي وأبي طلحة ستة آباء].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب صلة الرحم، والرحم: هي القرابة، ورحم الإنسان هم قرابته، وفي اصطلاح الشرع: الرحم هم القرابة، قال الله عز وجل: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال:٧٥]، والمراد به القرابات.
وعند الفرضيين: ذوو الأرحام هم الذين لا يرثون بفرض ولا بتعصيب، فهو في الشرع أعم من معناه عند الفرضيين؛ لأنه يشمل كل القرابات، فالرحم هم قرابة الإنسان سواء كانوا من جهة أبيه أو من جهة أمه.
وأورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه: (لما نزل قول الله عز وجل: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:٩٢] جاء أبو طلحة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! أرى ربنا يسألنا من أموالنا) يعني: يسألنا أن ننفق من أموالنا على من كان محتاجاً، وقوله: (يسألنا) أي: يأمرنا بأن ننفق منها، والله تعالى يثيب على ذلك الأجر العظيم، كما قال الله عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد:١١].
قوله: (وإني أشهدك أني قد جعلت أرضي بأريحاء له) أي: لله عز وجل، فضعها حيث شئت، يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصرف فيها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجعلها في الأقربين)، وهذا هو المقصود من هذه الترجمة: صلة الرحم، فالإحسان إلى القريب صدقة وصلة، فيكون قد جمع بين خصلتين حسنتين: صلة رحم، وإحسان وصدقة.
فقسمها بين حسان وأبي بن كعب، وهما من قرابته رضي الله تعالى عنه.
ثم إن أبا داود ذكر نوع هذه القرابة، وأن حسان يلتقي معه في جده الثالث، وأما أبي فإنما يلتقي معه في السادس، وذكر نسب أبي طلحة، ونسب حسان، ونسب أبي، وذكر أماكن الالتقاء بينهم، فالتقاء حسان مع أبي طلحة أقرب من التقائه مع أبي، وهذا فيه إشارة إلى أن الأقارب وإن كان بعضهم أقرب من بعض فإن البر والإحسان يكون للجميع، بخلاف الميراث، فإن من كان أقرب إلى الميت فإنه يحجب من يكون أبعد منه.
وهذا الحديث فيه دليل على أن الإنسان إذا تصدق بشيء وجعله مجملاً غير معين المصارف فإن ذلك جائز، ثم تعيّن مصارفه في وجوه الخير والبر، وأفضلها وأولاها أن تكون في الأقربين.
وأريحاء هي بيرحاء، فقيل: إنها البئر، وقيل: إن الأرض كلها يقال لها: بيرحاء، وقيل: إنها مضاف ومضاف إليه، أي: بئر مضافة إلى حاء.