للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث تشهد ابن عمر]

قال المصنف رحمه الله: [حدثنا نصر بن علي حدثني أبي حدثنا شعبة عن أبي بشر سمعت مجاهداً يحدث عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد: (التحيات لله، الصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) -قال: قال ابن عمر: زدت فيها: وبركاته- السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله -قال ابن عمر: زدت فيها: وحده لا شريك له.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله].

بعد أن فرغ من ذكر طرق تشهد ابن مسعود انتقل إلى التشهد الذي رواه ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وتشهد ابن عمر هو: (التحيات لله الصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله).

ففي أوله اختلاف عن تشهد ابن مسعود، حيث يقول: (التحيات لله والصلوات والطيبات) ففيه عطف بواو العطف بين الصلوات والطيبات والتحيات، وأما تشهد ابن عمر فليس فيه واو عطف.

وقد قيل: إن واو العطف محذوفة، وقيل: إن بعضها صفة لبعض، فالطيبات تكون صفة للصلوات.

وواو العطف جاء حذفها في القرآن والسنة، ومما جاء في القرآن قول الله عز وجل: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ} [الغاشية:١ - ٨] فقوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ) معطوفة على قوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ) ولكن حذفت واو العطف، ومما جاء في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم حديث: (يخرج الإنسان من صلاته لم يكتب له إلا تسعها إلا ثمنها) يعني: إلا كذا وإلا كذا وإلا كذا، فحذفت واو العطف.

وبعض أهل العلم اختار تشهد ابن مسعود لأن فيه عطف تلك الكلمات بعضها على بعض، بما يفيد أن معانيها مختلفة، بخلاف ما حذف منه واو العطف لاحتمال أن تكون صفات، ومن المعلوم أنها إذا كانت صفات قلت الكلمات وقلت المعاني، فيكون تشهد ابن مسعود أولى.

قال: [(السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)]، وهذا متفق عليه في جميع صيغ التشهد.

وفي هذا الحديث: أن ابن عمر قال: [زدت: وبركاته]، أي: في السلام على النبي، والمقصود: أن الذي حفظه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بدون [وبركاته].

ثم قال: [(أشهد أن لا إله إلا الله قال ابن عمر: زدت: وحده لا شريك له)] وهذه أيضاً زادها على ما حفظه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تأكيد لـ: (لا إله إلا الله)، فكلمة: (وحده) مؤكدة لـ (إلا الله)، وكلمة (لا شريك له) مؤكدة لـ (لا إله)، فقدم المؤكد الخاص على المؤكد العام، مثل قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦] فهي تعادل (لا إله إلا الله)؛ لأن (اجتنبوا الطاغوت) معناها: لا إله، و (اعبدوا الله) معناها: إلا الله، فكل رسول يدعو إلى كلمة الإخلاص والتوحيد، وإلى إفراد الله بالعبادة ونفي العبادة، عن كل من سوى الله.

قوله: [(وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)].

هذا مطابق لما تقدم في حديث ابن مسعود المتقدم، ومعناه أن الاختلاف الذي بين تشهد ابن عمر وتشهد ابن مسعود كائن في الكلمات الأولى وذلك بإثبات وحذف واو العطف، ويختلف عنه أيضاً في زيادة: (وحده لا شريك له) بعد قوله: (أشهد أن لا إله إلا الله).

<<  <  ج:
ص:  >  >>