[شرح حديث (نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الاحتباء والإمام يخطب.
حدثنا محمد بن عوف حدثنا المقرئ حدثنا سعيد بن أبي أيوب عن أبي مرحوم عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب)].
أورد أبو داود رحمه الله [باب: الاحتباء والإمام يخطب] والاحتباء المقصود به أن الإنسان يجلس على إليتيه وينصب ساقيه ثم يأتي بقطعة من القماش ويشدها على ظهره وعلى مقدم ساقيه، فيكون جالساً على هذه الهيئة، وقد تستعمل اليدان بدل القطعة من القماش بأن يضم يديه على ساقيه، فيكون محتبياً.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث معاذ بن أنس رضي الله عنه [(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب)] والحكمة من ذلك أن هذا يجلب النوم، ويؤدي إلى انتقاض الوضوء، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى البعد عن الشيء الذي يكون سبباً في جلب النوم، وما يترتب عليه من انتقاض الوضوء، فالنوم من أسباب نقض الوضوء، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:(العين وكاء السه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء)، فكون الإنسان يجلس على هذه الهيئة يكون سبباً في نومه، والنوم يترتب عليه انتقاض الوضوء بأن يخرج منه ريح، فيترتب على ذلك أن يقوم ويترك الخطبة ويتوضأ، فيفوت على نفسه حضور الخطبة، وقد تفوته الصلاة أو يفوته شيء من الصلاة، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى عدم هذا الفعل، ونهى عن هذه الحبوة والإمام يخطب.
والاحتباء له معنى آخر، وهو الذي جاء في الصحيحين وفي غيرهما من النهي عن اشتمال الصماء، وعن الاحتباء في الثوب الواحد، وهو أن يجلس ويلف على نفسه ثوباً واحداً، وقد نهي عن هذا لأنه قد تبدو عورته من فوق إذا لم يكن عليه لباس آخر، وهذا الاحتباء غير المنهي عنه يوم الجمعة، فهذا نهي عنه من أجل أنه يأتي بالنوم، وأما ذاك فمن أجل انكشاف العورة من فوق.
والنهي عن الاحتباء يوم الجمعة للتنزيه، ولهذا جاء عن كثير من السلف أنهم كانوا يحتبون، فلعلهم فهموا أنه للتنزيه أو ما بلغهم الحديث.
وفيه دليل على أن الاستناد يوم الجمعة في ذلك المقام مكروه؛ لأن الاحتباء منهي عنه حتى لا يأتي النوم، والإنسان إذا كان مستنداً فهذا أدعى إلى أن ينام وأن يستغرق في النوم، ولا شك في أن العلة في النهي عن الاحتباء موجودة في هذا وأكثر.