للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ذكر بعض الأحاديث الواردة في المهدي في غير الصحيحين]

ولما كان المقام لا يتسع لإيراد الكثير من الأحاديث الواردة في غير الصحيحين بشأن المهدي والكلام عليها رأيت الاقتصار هنا على إيراد بعضها مع الكلام على بعض أسانيدها.

أولاً: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبشركم بـ المهدي يبعث على اختلاف من الناس وزلازل، فيملأ الأرض قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، فيرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال صححاً، قال له رجل: ما صححاً؟ قال: بالسوية، ويملأ الله قلوب أمة محمد صلى الله عليه وسلم غناء، ويسعهم عدله)، إلى آخر الحديث.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد بأسانيد، وأبو يعلى باختصار كثير، ورجالهما ثقات.

ثانياً: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (ذكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المهدي فقال: إن قصر فسبع وإلا فثمان وإلا فتسع، وليملأن الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً).

قال الهيثمي: رواه البزار ورجاله ثقات وفي بعضهم بعض ضعف.

ثالثاً: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يكون في أمتي المهدي إن قصر فسبع، وإلا فثمان، وإلا فتسع، تنعم أمتي فيها نعمة لم ينعموا مثلها، يرسل السماء عليهم مدراراً، ولا تدخر الأرض شيئاً من النبات والمال، يقوم الرجل فيقول: يا مهدي! أعطني؟ فيقول: خذ).

قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.

رابعاً: عقد أبو داود في سننه كتاباً قال في أوله: أول كتاب المهدي، وقال في آخره: آخر كتاب المهدي، جعل تحته باباً واحداً أورد فيه ثلاثة عشر حديثاً، وصدر هذا الكتاب بحديث جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة)، الحديث.

قال السيوطي في آخر جزء العرف الوردي في أخبار المهدي: في ذلك إشارة إلى ما قاله العلماء بأن المهدي أحد الاثني عشر، وقد ذكر ذلك أيضاً ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة:١٢] في سورة المائدة كما يجيئ ذكر كلامه، ويرى جماعة من العلماء -ومنهم شارح الطحاوية- أن الاثني عشر هم الخلفاء الراشدون وثمانية من بني أمية.

خامساً: ما رواه أبو داود في سننه من طريق عاصم بن أبي النجود عن زر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).

وهذا الحديث سكت عليه أبو داود والمنذري وكذا ابن القيم في تهذيب السنن، وقد أشار إلى صحته في المنار المنيف، وصححه ابن تيمية في منهاج السنة النبوية، وقد أورده البغوي في مصابيح السنة، وقال عنه الألباني في تخريج أحاديث المشكاة: وإسناده حسن.

انتهى.

والحديث مداره على عاصم بن أبي النجود وقد لخص في عون المعبود شرح سنن أبي داود الأقوال التي قيلت فيه، فقال: وعاصم هذا هو ابن أبي النجود، واسم أبي النجود: بهدلة، وهو أحد القراء السبعة، قال أحمد بن حنبل: كان رجلاً صالحاً وأنا أختار قراءته، وقال أحمد وأبو زرعة أيضاً: ثقة، قال أبو حاتم: محله عندي محل الصدق، صالح الحديث ولم يكن بذلك الحافظ.

وقال أبو جعفر العقيلي: لم يكن فيه إلا سوء الحفظ.

وقال الدارقطني: في حفظه شيء، وأخرج له البخاري في صحيحه مقروناً وأخرج له مسلم.

قال الذهبي: ثبْت في القراءة، وهو في الحديث دون الثبت، صدوق يهم وهو حسن الحديث.

والحاصل: أن عاصم بن بهدلة ثقة على رأي أحمد وأبي زرعة وحسن الحديث، صالح الاحتجاج على رأي غيرهما، ولم يكن فيه إلا سوء الحفظ.

وردُّ الحديث بـ عاصم ليس من دأب المنصفين، على أن الحديث قد جاء من غير طريق عاصم أيضاً، وارتفعت عن عاصم مظنة الوهم، والله أعلم.

انتهى.

والحديث ذكره ابن خلدون في مقدمة تاريخه، وقدح فيه من جهة عاصم بن أبي النجود ملاحظاً ما قيل فيه من سوء الحفظ، وقال: إن الجرح مقدم على التعديل، وقد أنكر عليه ذلك.

قال الشيخ أحمد شاكر في تخريج أحاديث المسند: إن ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين: إن الجرح مقدم على التعديل، ولو اطلع على أقوالهم وفقهها ما قال شيئاً مما قال.

وقال أيضاً: إن عاصم بن أبي النجود من أئمة القراء المعروفين ثقة في الحديث، أخطأ في بعض حديثه ولم يغلب خطؤه على رواياته حتى ترد.

قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إلي قال: سألت أبي عن عاصم بن بهدلة فقال: ثقة رجل صالح خير ثقة، والأعمش أحفظ منه، وكان شعبة يختار الأعمش عليه في تثبيت الحديث.

وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عاصم بن بهدلة فقال: هو صالح، هو أكثر حديثاً من أبي قيس الأودي وأشهر منه، وأحب إلي من أبي قيس، وقال: سئل أبي عن عاصم بن أبي النجود وعبد الملك بن عمير فقال: قدم عاصماً على عبد الملك، عاصم أقل اختلافاً عندي من عبد الملك، وقال: سألت أبا زرعة عن عاصم بن بهدلة فقال: ثقة.

قال: فذكرته لأبي فقال: ليس محله هذا أن يقال: هو ثقة، وقد تكلم فيه ابن علية فقال: كأن كل من كان اسمه عاصماً سيئ الحفظ.

قال الشيخ أحمد شاكر: وهذا أكثر ما قيل فيه من الجرح، أفمثل هذا يترك حديثه ويجعل سبيلاً لإنكار شيء ثبت بالسنة الصحيحة من طرق متعددة من حديث كثير من الصحابة حتى لا يكاد يشك في صحته أحد؛ لما في رواته من عدل، وصدق لهجته، ولارتفاع احتمال الخطأ ممن كان في حفظه شيء فيما ثبت عن غيره ممن هو مثله في العدل والصدق، وقد يكون أحفظ منه؟ ما هكذا تعلل الأحاديث! انتهى.

سادساً: وقال أبو داود في سننه: حدثنا سهل بن يزيع حدثنا عمران القطان عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المهدي مني، أجلى الجبهة، أقنى الأنف؛ يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، ويملك سبع سنين).

قال ابن القيم في المنار المنيف: رواه أبو داود بإسناد جيد، وأورده البغوي في مصابيح السنة في فصل الحسان، وقال الألباني في تخريج أحاديث المشكاة: وإسناده حسن، ورمز لصحته السيوطي في الجامع الصغير.

سابعاً: قال ابن ماجة في سننه: حدثنا محمد بن يحيى وأحمد بن يوسف قالا: حدثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم)، ثم ذكر شيئاً لا أحفظه، فقال: (فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج؛ فإنه خليفة الله المهدي).

قال الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي في تعليقه على سنن ابن ماجة: في الزوائد -يعني: زوائد ابن ماجة للبوصيري - هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.

ورواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين.

انتهى.

وقد أورد هذا الحديث بسنده الحافظ ابن كثير في كتاب الفتن والملاحم وقال: هذا إسناد قوي صحيح، ثم أورد حديثاً عن الترمذي فيه ذكر الرايات السود أيضاً، ثم قال: وهذه الرايات ليست هي الرايات التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلم بها دولة بني أمية في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، بل رايات سود أخر تأتي بصحبة المهدي وهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه.

انتهى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>