[شرح حديث عمرو بن سلمة في قصة إمامته بقومه]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا أيوب عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه قال: (كنا بحاضر يمر بنا الناس إذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا رجعوا مروا بنا فأخبرونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كذا وكذا، وكنت غلاماً حافظاً، فحفظت من ذلك قرآناً كثيراً، فانطلق أبي وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه، فعلمهم الصلاة، فقال: يأمكم أقرؤكم.
وكنت أقرأهم لما كنت أحفظ، فقدموني، فكنت أؤمهم وعلى بردة لي صغيرة صفراء، فكنت إذا سجدت تكشفت عني، فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم، فاشتروا لي قميصاً عمانياً، فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به، فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عمرو بن سلمة الجرمي رضي الله عنه، وفيه أنهم كانوا في مكان على ممر طريق الناس الذين يذهبون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويرجعون، وعندما يرجع الناس من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو ممن يستقبلهم، فكان يتعلم القرآن من هؤلاء الذين يمرون بهذا الماء وبهذا المكان.
وذكر هنا أن أباه وجماعة من قومه ذهبوا وافدين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء في بعض الروايات: أنه ذهب مع أبيه، وأنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمهم، وكان مما علمهم أنه يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله، فنظروا وإذا عمرو بن سلمة هو أكثرهم حفظاً وأكثرهم قراءة، فقدموه إماماً لهم وعمره سبع أو ثمان سنوات، وكان رضي الله عنه عليه بردة إذا تكشفت ظهر شيء من عورته، وجاء في البخاري أنها كانت تنحسر لضيقها أو لصغرها، فكانت تتقلص فتبدوا عورته، وفي بعض الروايات أنه كان فيها فتق، وكانت موصلة، يعني: ليست قطعة واحدة، وإنما هي قطع خيط بعضها ببعض، فكان عندما يسجد يظهر شيء من عورته، فقالت امرأة: واروا عنا سوءة قارئكم، فاشتروا له قميصاً عمانياً، يعني: مصنوع في عمان، وهي من بلاد البحرين أو قريبة من البحرين، قال: فما فرحت بشيء بعد الإسلام أشد مني فرحاً بهذا القميص.
وقيل: إن السبب في فرحة أنه كان قبل ذلك غير مرتاح إلى ذلك اللباس الذي عليه، لضيقه ولعدم كماله، ولكونه يحتاج إلى أنه يمسكه حتى لا يسقط.
وقيل: إن سبب فرحه لكونه كان صغيراً، والصغار يفرحون بالألبسة الجديدة، وقيل غير ذلك، وقد يكون فرحه من جهة كونه ساتراً سالماً مما كان يحصل من ذلك اللباس الأول الذي كان فيه ذلك الفتق أو كان فيه ذلك الصغر الذي ينحسر وتبدو العورة، قد يكون هذا هو أقرب الأسباب في كونه فرح بذلك.
وقوله: (فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع أو ثمان سنين) قالوا: وهذا فيه دليل على إمامة الصبي المميز، أي: أنه يؤم الناس إذا كان أحفظ من غيره، وإذا كان أعلم من غيره فإنه يقدم على غيره في الإمامة، وبعض أهل العلم قال بجواز ذلك مطلقاً في الفرائض والنوافل استناداً إلى هذا الحديث، وبعضهم خصصه بالنوافل دون الفرائض، وبعضهم لم يجز ذلك.
وفي إمامة الصبي للناس دليل على ائتمام المفترض بالمتنفل؛ لأن الصغير صلاته نافلة؛ لأنه ليس مكلفاً وليس من أهل التكليف؛ وحجه لو حج قبل البلوغ يكون نافلة، وإذا بلغ فإنه يحج حجة الإسلام، ولا تغنيه تلك الحجة التي حجها في حال صغره وقبل بلوغه.
فهذا من الأدلة التي يستدل بها على ائتمام المفترض بالمتنفل، ومن ذلك أيضاً حديث معاذ رضي الله عنه في قصه صلاته بقومه صلاة العشاء كما سيأتي، أي: أنه كان يصلي بهم صلاة العشاء وهو متنفل وهم مفترضون، وهذا الحديث الذي هنا هو مثل ما جاء في حديث معاذ في أن المفترض يصلي خلف المتنفل.
والحديث دليل على أن الصبي المميز إذا كان أعلم من غيره أو كان مقدماً على غيره في القراءة والعلم أنه يقدم في الصلاة، وأن إمامته صحيحة.
عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه قال: (كنا بحاضر)].
يعني: في مكان يقيمون فيه يقال له: حاضرة أو حاضر، وقد جاء في بعض الروايات: أنهم كانوا على ماء يمر به الناس.
وقوله: [(كنا بحاضر يمر بنا الناس إذا أتوا)].
يعني: إذا أتوا من عند النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: [(إذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا مروا بنا فأخبرونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كذا وكذا وكنت غلاماً حافظاً)].
يعني: أنه كان يستقبلهم، وكانوا يخبرونه بما تلقوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحفظه من يحفظ، وكان هذا الغلام حافظاً وحريصاً، فكان يأخذ منهم، فحفظ قرآناً كثيراً كما جاء عنه أنه قال: حفظت قرآناً كثيراًً؛ أي: بسبب هذا التلقي للركبان الذين كانوا يأتون من عند النبي صلى الله عليه وسلم مارين بمائهم الذي هم فيه.
قوله: [(فانطلق أبي وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه فعلمهم الصلاة)].
وجاء في بعض الروايات أنه وفد مع أبيه؛ ولهذا قالوا عنه: إنه صحابي صغير؛ لأنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: [(فعلمهم الصلاة فقال: يؤمكم أقرؤكم وكنت أقرأهم لما كنت أحفظ، فقدموني فكنت أؤمهم وعلي بردة لي صغيرة صفراء)].
ذكرها هنا أنها صغيرة، وجاء في بعض الروايات أنها كانت موصلة، يعني: ليست قطعة واحدة، وإنما كانت مخيطة قطعة مع قطعة، وهذا يدل على ما كانوا عليه من الحاجة ومن قلة ذات اليد.
وقوله: [(فكنت إذا سجدت تكشفت عني)].
يعني: يحصل انحسارها، كمن كان عليه إزار، والإزار قد يكون قصيراً فيتكشف لابسه، وذلك لا يؤثر في الصلاة ما دام أن هذه ضرورة، وأنه انكشاف غير مقصود، وأن ذلك الانكشاف يزول بجر القميص أو جر الإزار.
قوله: [(فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم)].
يعني: غطوها، فاشتروا له قميصاً.
قوله: [(فاشتروا لي قميصاً عمانياً، فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به، فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين)].