[شرح حديث (ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال: من حرق هذه)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن أبي إسحاق الشيباني عن ابن سعد، قال أبو داود: هو الحسن بن سعد، عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه قال:(كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرش، فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها، ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: من حرق هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار)].
أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، وكان أحدهم قد أخذ أفراخ حمرة، وهي طائر من الطيور، فرآها تعرش، أي: تضطرب وتصيح وتقرب من الناس وتحوم حولهم، وكانت أيضاً تقع في الأرض وتفرش جناحيها، فعرف الرسول صلى الله عليه وسلم أنها مفجوعة، وأنهم أخذوا منها شيئاً، فقال:(من فجع هذه بولدها؟ فقال رجل: أنا، فقال: ردوا ولدها إليها).
(ورأى قرية نمل قد حرقناها) أي: مسكن النمل، فإنه يقال له: قرية، فقال:(من فعل هذا؟ قلنا: نحن، قال: إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار)، أي: أنه لا يجوز في هذه الشريعة التعذيب بالنار، وإنما قال بعض أهل العلم: إنه يمكن أن يحرق من قتل بالتحريق، أي أنه يعامل بمثل ما عامل به غيره، وأنه يقتص منه بنفس الطريقة التي حصلت منه، قالوا: فيكون ذلك مستثنى؛ لأنه عومل بالشيء الذي عامل به، والقصاص يكون بالمماثلة، ومعروف قصة اليهودي الذي قتل جارية بين حجرين، فأمر برض رأسه بين حجرين؛ حتى يقتل كما قتل، وكذلك قصة العرنيين الذين قتلوا الراعي، ومثلوا به، فأمر بقتلهم والتمثيل بهم كما فعلوا بذلك بالراعي، فالقصاص يكون من جنس العمل، إلا أن يكون في أمر محرم لا يسوغ تعاطيه، فإنه يقتل بغير الطريقة المحرمة.