حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:(لا يدخل الجنة قاطع رحم)].
سبق في هذه الترجمة:(باب صلة الرحم) أحاديث تدل على فضل صلة الرحم، وعلى ما فيه من الأجر والثواب، ثم ذكر أبو داود رحمه الله بعد ذلك أحاديث فيها قطيعة الرحم وخطرها ومضرتها، وأورد حديث جبير بن مطعم بن نوفل رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا يدخل الجنة قاطع رحم)، وهذا وعيد شديد لمن كان قاطعاً لرحمه.
فقيل في معنى هذا الحديث: إنه من أحاديث الوعيد التي فيها تهديد وتخويف وزجر من القطيعة، وإن الواجب هو الحذر من التعرض لهذا الوعيد، والحذر من أن يكون الإنسان من أهل هذا الوعيد.
وقيل: إنّ المراد بقوله: (لا يدخل الجنة) أنه لا يدخلها من أول وهلة، أي أنه يتأخر في دخول الجنة، وأنه يدخل النار ويعذب بها، ولكنه إذا دخل النار لا يستمر فيها أبداً، بل لابد أن يخرج منها، وأن يدخل الجنة ما دام أنه مرتكب لكبيرة فقط، ولا يمنع من دخول الجنة أبداً إلا الكفار الذين هم أهل النار، فلا سبيل لهم إلى الخروج منها أبداً.
وأما أهل الكبائر وعصاة المؤمنين فإنهم مهما بلغت كبائرهم وعظمت فأمرهم إلى الله عز وجل، فإن شاء عفا وتجاوز عنهم، وإن شاء عذبهم وأدخلهم النار، ولكنه إذا أدخل أحداً منهم النار بجرمه وبكبيرته فإنه لا يدوم فيها دوام الكفار، بل يبقى فيها مدة كما يشاء عز وجل أن يبقى فيها، وبعد ذلك يخرج منها ويدخل الجنة.
إذاً: فقوله: (لا يدخل الجنة) أي: لا يدخلها من أول وهلة، وأما كونه لا يدخلها أبداً فهذا ليس بصحيح.
وقيل: إنه لا يدخلها أبداً إذا كان مستحلاً؛ لأن استحلال الذنب كفر، فيكون ذلك مانعاً من دخول الجنة أبداً؛ لأنه يكون بذلك كافراً، والكافر لا يخرج من النار ولا يدخل الجنة أبداً، وأما إذا لم يكن مستحلاً لذلك وإنما هو عاص ومرتكب لكبيرة فهو تحت مشيئة الله عز وجل، فإن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه، ومن لم يعف ويتجاوز عنه فإنه يدخله النار، فيعذب فيها على مقدار جرمه وكبيرته، وبعد ذلك يخرج من النار ويدخل الجنة.