للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شرح حديث (من حمى مؤمناً من منافق بعث الله ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من رد عن مسلم غيبة.

حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء بن عبيد حدثنا ابن المبارك عن يحيى بن أيوب عن عبد الله بن سليمان عن إسماعيل بن يحيى المعافري عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حمى مؤمناً من منافق -أراه قال-: بعث الله ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن رمى مسلماً بشيء يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال)].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب من رد عن مسلم غيبة، أي: أنه عندما يحصل من أحد اغتياب لمسلم فإنه يرد على ذلك المغتاب، بمعنى: أنه يذكره وينصحه ويبين له أن هذا غير سائغ، أو أن هذا الرجل الذي يغتابه فيه خير كثير، أو أن كلامك فيه غير صحيح، أو أنك ظالم لنفسك في نيلك منه، فيذب عنه عندما يسمع أحداً يغتابه، ويدافع عنه، وذلك ببيان خطأ هذا الذي تكلم فيه، وبيان أن الغيبة هي كما جاء في الحديث (ذكرك أخاك بما يكره) وذلك في غيبته، وأن هذا مما جاءت السنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالتحذير منه والمنع منه، فهذا هو المقصود برد الغيبة أو الكلام عن المؤمن.

ومن أمثلة ذلك: ما حصل في غزوة تبوك، لما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن كعب بن مالك أين هو؟ فقال أحد الناس: منعه النظر في عطفيه، وهذا ذم له، فقال أحد الصحابة: إنه ليس كذلك وإنما هو كذا وكذا، وأثنى عليه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الذب عن الشخص الذي اغتيب ممن اغتابه.

وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث معاذ بن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حمى مؤمناً من منافق -وأراه قال-: بعث الله ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم)، أي: أنه دافع عن هذا الشخص الذي تكلم فيه، فجازاه الله تعالى بأن يبعث له ملكاً يحميه من نار جهنم، ومن العذاب في نار جهنم، وهذا يدل على فضل الذب عن عرض المسلم، وأن الشخص إذا تكلم فيه بما لا ينبغي فإن من يسمع ذلك ينبه الإنسان الذي يحصل منه الكلام؛ لأنه إذا نبهه قد يترك، ولكنه إذا سكت عن كلامه وبقي يقول ما يقول ولم يُنبه، فإن ذلك يهون عليه أمر الكلام في الناس، ولكنه إذا نُبه فقد يكون ذلك سبباً في تنبهه وعدم استمراره في الوقوع في أعراض الناس، فيكون بذلك أحسن إلى من ذب عنه، وأحسن إلى نفس الذي تكلم فيه، وذلك بأن يعدل عما كان قد وقع فيه من الكلام في الناس بما لا ينبغي أن يتكلم فيه.

وقوله: (من منافق) هذا يدل على أن الكلام في الناس وذم الناس والوقع في أعراضهم، قد يكون الذي يحصل منه هذا هو من المنافقين.

وقوله: (ومن رمى مسلماً بشيء يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال) أي: أنه رماه بشيء اختلقه وافتراه عليه، أو أنه قال ذلك من أجل ذمه ومن أجل النكاية به، وإن كان فيه ذلك العيب الذي قاله، فهناك غيبة وهناك بهتان، وهو الكذب، وكل منهما مذموم، والبهتان أشد من الغيبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته)، والبهتان أشد جرماً وأعظم إثماً.

وقوله: (حبسه الله على جسر جهنم) أي: على الصراط المنصوب على متن جهنم؛ لأن الصراط هو جسر ممدود على متن جهنم، يمر الناس عليه، ويجوزون منه إلى الجنة، ومن كان معذباً فإنه يقع ويلقى في النار، والناس يمرون عليه على قدر أعمالهم، فالصراط هو الجسر المنصوب على متن جهنم في الطريق إلى الجنة؛ لأنه لا يوصل إلى الجنة إلا من فوق الجسر، فمن تجاوز الجسر وصل إلى الجنة، ومن وقع في النار ولم يتجاوز الجسر فإنه يعذب في النار، وإذا كان من أهل الإيمان فإنه يعذب على مقدار جرمه، وعلى مقدار كبيرته، ثم يخرج من النار ويدخل الجنة، ولا يستمر بقاؤه في النار، وإنما الذين يستمر بقاؤهم في النار هم الكفار الذين لا يخرجون منها بحال من الأحوال، بل يبقون فيه أبد الآباد والعياذ بالله! وقوله: (حتى يخرج مما قال) معناه -والله أعلم-: أنه يعاقب على ما قال وأنه يخرج منه بتحصيل العقوبة عليه بذلك الذنب الذي اقترفه.

والحديث حسنه الألباني، ولكن في إسناده المعافري وهو مجهول، ولا أدري ما وجه تصحيح الألباني له في هذا الموضع، وهل له شواهد تدل عليه؟ وإن كان الألباني قد ضعفه في مشكاة المصابيح وضعيف الجامع.

وأما بالنسبة لهذا الإسناد فإن فيه المعافري وهو مجهول.

<<  <  ج:
ص:  >  >>