للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (كان رسول الله إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ)]

قال المصنف رحمه الله: [باب متى يقصر المسافر؟ حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن يحيى بن يزيد الهنائي قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن قصر الصلاة فقال أنس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ - شعبة شك- يصلي ركعتين)].

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة [باب متى يقصر المسافر؟] وهذه الترجمة يدخل تحتها ما هو السفر الذي إذا سافره يقصر فيه المسافر، وأيضاً متى يبدأ المسافر في القصر إذا سافر؟ فأورد حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ -شك شعبة - صلى ركعتين.

وفسر هذا الحديث بأن المقصود منه مسافة السفر، وأنه إذا سافر هذا المقدار كان يقصر عليه الصلاة والسلام.

ومن أهل العلم من فسر ذلك بأن المقصود: إذا سافر هذه المسافة فإنه يبدأ بالقصر؛ لأنه لم يكن يخرج بعدما يدخل الوقت، ولكنه بعد ما يصلي يسافر، فيمضي مدة قبل أن تأتي الصلاة الأخرى، فيكون البدء بعد مضي هذه المدة، لكن سيأتي في الحديث الذي بعد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ القصر بذي الحليفة، وذو الحليفة مكان قريب من المدينة، فلما سافر إلى مكة في حجة الوداع صلى الظهر في مسجده صلى الله عليه وسلم، ثم خرج وصلى العصر في ذي الحليفة ركعتين، فقالوا: إن المقصود بقوله: [ثلاثة فراسخ أو ثلاثة أميال] مسافة السفر، وليس المقصود به أنه لا يقصر إلا بعد أن يمشي ثلاثة فراسخ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قصر بعد أن وصل إلى ذي الحليفة، وهو مكان قريب من المدينة لا يقصر الإنسان إذا ذهب إليه، ولكنه يبدأ القصر منه؛ لأن الذهاب إليه ليست مسافة قصر، لكنه بدأ بالقصر منه لأنه خارج البنيان.

وقد اختلف أهل العلم في مسافة القصر، فمنهم من قال: ثلاث مراحل.

يعني: مسيرة ثلاث ليال، ومنهم من قال: مرحلتان.

يعني: مسيرة يومين قاصدين، وهذا قد جاء عن بعض الصحابة، فقد سئل عن القصر في الذهاب إلى عرفة فقال: لا، ولكن إذا ذهب إلى الطائف أو إلى جدة أو إلى عسفان فإنه يقصر، قالوا: وهذا مقداره مسافة اليومين القاصدين، أي: مسافة مرحلتين، ومنهم من قال بهذا المقدار الذي جاء في هذا الحديث، أي: ثلاثة فراسخ أو ثلاثة أميال، ومنهم من قال: أقل من ذلك، ومنهم من أناط الحكم بالسفر، وما يعتبر سفراً في العرف فإنه يحصل به قصر الصلاة، ولم يأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحديد أنه لا يقصر إلا في المسافة الفلانية، وأن من سافر هذا المقدار فهو الحد الفاصل، وقيل: يرجع إلى العرف، فما كان يعتبر سفراً بالعرف فهو الذي تناط وتعلق به الأحكام التي هي القصر والجمع والفطر، وكذلك لزوم المحرم بالنسبة للمرأة في السفر.

ومن المعلوم أن هذه الأقوال مختلفة، ولكن الاحتياط في الدين أمر مطلوب، ولا يصلح أن يقصر لمسافات قصيرة وقليلة؛ لأن الإنسان إذا صار إلى ذلك، وليس هناك تحديد ثابت يكون قد فرط، والاحتياط هو في كون القصر في السفر في مثل السفر بين مكة إلى الطائف أو إلى عسفان أو إلى جدة وما إلى ذلك، فهذا هو الذي يسمى سفراً، أما المسافات القصيرة فلا ينبغي القصر فيها، وعلى الإنسان أن يحتاط لدينه، ولا يأخذ بالشيء الذي فيه إشكال وليس فيه شيء واضح يدل عليه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>