للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث سلمة بن الأكوع في افتداء النبي صلى الله عليه وسلم أسرى في مكة بجارية دون أمها]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في المدركين يفرق بينهم.

حدثنا هارون بن عبد الله قال: حدثنا هاشم بن القاسم قال: حدثنا عكرمة قال: حدثني إياس بن سلمة قال: حدثني أبي رضي الله عنه قال: (خرجنا مع أبي بكر رضي الله عنه -وأمره علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- فغزونا فزارة فشننا الغارة، ثم نظرت إلى عنق من الناس فيهم الذرية والنساء، فرميت بسهم فوقع بينهم وبين الجبل فقاموا، فجئت بهم إلى أبي بكر فيهم امرأة من فزارة وعليها قشع من أدم معها بنت لها من أحسن العرب، فنفلني أبو بكر ابنتها، فقدمت المدينة فلقيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي: يا سلمة! هب لي المرأة.

فقلت: والله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوباً.

فسكت حتى إذا كان من الغد لقيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السوق فقال لي: يا سلمة! هب لي المرأة لله أبوك.

فقلت: يا رسول الله! والله ما كشفت لها ثوباً، وهي لك.

فبعث بها إلى أهل مكة وفي أيديهم أسرى ففداهم بتلك المرأة)].

أورد أبو داود [باب المدركين يفرق بينهم].

يعني البالغين، فيجوز في البالغين أن يفرق بين القريب وقريبه.

وقد أورد أبو داود حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه قال: خرجنا في غزاة مع أبي بكر، وكان أبو بكر أميرهم، فذكر أنهم غزوا فزارة، وأنه جاء إلى عنق من الناس -وهم جماعة من الناس- فرمى بسهمه فوقع بينهم وبين الجبل فقاموا، فأتى بهم، وكانت فيهم امرأة ولها ابنة من أحسن العرب ومن أجملهم، فنفله أبو بكر إياها، والنفل هو إعطاء الشيء قبل قسمة الغنيمة من أجل جهد قام به ومن أجل عمل تميز به، فنفله إياها فصارت من نصيبه، فلما جاء إلى المدينة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: [(هب لي المرأة)] فقال: إنها أعجبتني، وإنني ما كشفت لها ثوباً.

يعني أنه ما جامعها ولا حصل منه استمتاع بها، ثم بعد ذلك لقيه فقال: [(هب لي المرأة لله أبوك)] وذلك يدل على رغبة شديدة فيها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يفادي بها الأسرى الذين كانوا عند الكفار، فأعطاه إياها وقال: إنني ما كشفت لها ثوباً، وهي لك يا رسول الله.

فأرسلها في مقابل أسرى عند المشركين فخلصوا من الأسر في مقابل هذه الجارية.

ومحل الشاهد من الترجمة هو أنه فرق بين المرأة وبين ابنتها لأنهما مدركتان كبيرتان، ومعنى هذا أن التفريق يجوز في البالغين وفي الكبار، وأما بين الكبير والصغير فإنه لا يفرق بينهما كما مر في الترجمة السابقة.

قوله: [(فشننا الغارة)].

يعني أنهم شنوا عليهم الغارة وأحاطوا بهم من جميع الجهات.

قوله: [(ثم نظرت إلى عنق من الناس فيهم الذرية والنساء فرميت بسهم فوقع بينهم وبين الجبل فقاموا)].

العنق من الناس هم الجماعة، وكانوا جماعة فيهم النساء والذرية، فقاموا فأتى بهم يسوقهم.

وكأنه أراد بالرمي أن يفزعوا فيستسلموا، وما قصد قتل أحدٍ منهم.

قوله: [فيهم امرأة من فزارة وعليها قشع من أدم].

الأدم هو الجلد، والقشع: الجلد، وفيه لغتان، يقال: قَشع وقِشع ومنه قولك: قشعت الشيء.

أي: دخلت قشره، والقشاعة: ما أخذته من جلدة وجه الأرض.

وقوله: [(لله أبوك)].

هو عبارة ترغيب، تستعمل في التحريض على الشيء، كقولهم: لله درُه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>