[صيغ الشكر، وحق النبي والصحابة من الشكر على أهل الإسلام]
الشكر القولي ليس له صيغة معينة، فيجوز بأي لفظ كان، كأن يقول: شكر الله لك، جزاك الله خيراً، لقد أحسنت، أحسن الله إليك، فكل هذا من الصيغ التي فيها شكر.
ومن المعلوم أن أعظم المنن علينا هي وصول هذا الدين غضاً طرياً بفضل الله، ثم بجهود السلف الصالح رحمهم الله، لاسيما الصحابة رضي الله عنهم الذين بلغوا دين الله تعالى.
وقد سبق أن ذكرنا أن الإحسان قد يكون دينياً وقد يكون دنيوياً، والدنيوي: كالإحسان بالمال، والديني: كالإحسان بالعلم، والدعوة إلى الخير، والتبصير بالهدى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا أجل الإحسان وأعظمه؛ لأن الإحسان في أمور الدنيا إنما هو زاد للحياة الدنيا، وأما الإحسان في الدين، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير، والتبصير بالحق والهدى، فهذا فيه مساعدة وإعانة على الزاد الذي يتزود به في الآخرة، ومعلوم أن الحياة الدنيا لا بد لها من نهاية، والإنسان سيأخذ رزقه الذي كتبه الله له، سواء ساقه الله إليه بواسطة أو بغير واسطة، وأما بالنسبة للدين والتفقه في الدين ومعرفة الحق والهدى، والخروج من الظلمات إلى النور، فهذه أعظم النعم وأجلها؛ ولهذا كان حق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم -الذي ساق الله للمسلمين على يديه هذه النعمة- أعظم حق، ويجب أن تكون محبته فوق محبة كل محبوب من البشر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي دل الناس على الحق والهدى، وأخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور.
فالنعمة التي ساقها الله على يديه لا تماثلها نعمة، ولا تدانيها نعمة، بل إن الوالدين اللذين أحسنا إلى الإنسان، وكانا سبب وجوده، وقاما بتنشئته وبتربيته حتى بلغ مبلغ الرجال، حقهما دون حقه صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام:(لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)؛ لأن النعمة التي ساقها الله للناس على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم النعم، وأجل النعم، ولا تماثلها، ولا تساويها نعمة.
وبعد الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم الناس فضلاً وإحساناً إلى الناس أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، الذين هم الواسطة بين الناس وبين الرسول عليه الصلاة والسلام، الذين تلقوا الكتاب والسنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وبلغوهما إلى الناس، فكل خير حصل للناس إنما جاء عن طريق الصحابة، والناس ما عرفوا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن طريق الصحابة، فهم الذين جمعوا القرآن، وهم الذين حفظوا السنة، وهم الذين نقلوا الكتاب والسنة وأدوهما إلى الناس، فكل من حفظ سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وأداها إلى الناس فإن الله تعالى يثيبه مثلما يثيب من استفاد من هذه السنة.
وقبل ذلك فإن كل من حصل منه إحسان، أو معروف، أو تقوى وإيمان، فإن للنبي صلى الله عليه وسلم مثل أجور كل أمته من أولها إلى آخرها؛ لأنه هو الذي دلهم على الحق والهدى، قال صلى الله عليه وسلم:(ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله) وقال عليه الصلاة والسلام: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً) وعلى العكس من ذلك: (ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل إثم من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)، وعلى هذا فإن المحبة تكون للرسول صلى الله عليه وسلم على الوجه الذي بينه عليه الصلاة والسلام، وهي المحبة التي تفوق محبة الوالدين، ومحبة الناس أجمعين.
وأما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يدعا لهم، ويشكرون ويذكرون بالجميل اللائق بهم، ولا يذكرون بسوء، وإنما يذكرون بالخير؛ لأن كل خير وصلنا فإنما هو عن طريق الصحابة، ومن قطع صلته بالصحابة فإن صلته بالرسول صلى الله عليه وسلم مبتوتة؛ لأنه لا يوصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة إلا عن طريق الصحابة؛ ولهذا كانوا أفضل هذه الأمة، وخير هذه الأمة، وكان أي واحد منهم أفضل من أي واحد يجيء بعدهم، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضلهم بقوله:(خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) فقرن الرسول صلى الله عليه وسلم الذين رأوه هم خير الناس، ثم قرن التابعين، ويليهم قرن أتباع التابعين.
والحاصل: أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وقد ساق الله هذا الخير الذي بعث نبيه صلى الله عليه وسلم به عن طريقهم، فإنهم يحبون ويدعا لهم، ويذكرون بالجميل اللائق بهم، وتنزه الألسنة والقلوب عن أن يكون فيها شيء مما لا ينبغي، بل تكون القلوب والألسنة سليمة في حقهم، فلا يكون في القلوب إلا المحبة والذكر الجميل اللائق بهم رضي الله عنهم وأرضاهم، والكف عما شجر بينهم، وألا يذكر منهم أحد إلا بأحسن الذكر؛ لأنهم هم الذين جعلهم الله واسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكرهم يكون بالدعاء لهم والثناء عليهم وذكرهم بالجميل اللائق بهم.