قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو كامل حدثنا يزيد -يعني ابن زريع - قال: ح وحدثنا أحمد بن منيع عن يحيى بن زكريا وهذا لفظه عن داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: (لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجم ماعز بن مالك خرجنا به إلى البقيع، فوالله ما أوثقناه ولا حفرنا له، ولكنه قام لنا.
قال أبو كامل قال: فرميناه بالعظام والمدر والخزف، فاشتد واشتددنا خلفه حتى أتى عرض الحرة فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرة حتى سكت قال: فما استغفر له ولا سبه)].
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، أن ماعز بن مالك رضي الله عنه لما زنى وأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمه خرجوا به إلى البقيع، وقد جاء في بعض الروايات أنه المصلى، ولا تنافي بين ذلك كما أشرت لذلك من قبل؛ لأن البقيع المقصود به قرب البقيع وليس في المقبرة، وإنما هو في المصلى، ومعلوم أنه قد يطلق على الشيء اسم ما يكون عنده وإن لم يكن فيه، واللفظ الآخر جاء في المصلى الذي هو ليس في البقيع وإنما هو دون البقيع، فرجموه هناك؛ فهرب.
قوله: [(فرميناه بالعظام والمدر والخزف)].
وهذا يدل على أن الرمي بالحجارة ليس بمتعين، وأنه لا يرمى إلا بها، بل يمكن أن يرمى بغير ذلك، كما رموه بالحجارة وبالخزف -وهو: الطين المتحجر الذي أحرق حتى صار فخاراً- وكذلك رموه بالمدر الذي هو عبارة عن طين يابس، فيرمونه بما أمكنهم، فتعين على أن الرمي لا يكون خاصاً بالحجارة بل يكون بالعظام وغيرها.
قوله: [(فاشتد واشتددنا خلفه حتى أتى عرض الحرة فانتصب لنا)].
(فاشتد) يعني: أسرع هارباً (واشتدوا خلفه) يعني: أسرعوا وراءه يتبعونه حتى أدركوه بالحرة (فانتصب لهم) يعني: وقف فرموه بأحجار الحرة (حتى سكت) يعني: حتى مات، وبهذا يتبين أن ما جاء في بعض الروايات من ذكر المصلى، والبقيع، والحرة، أنه لا تنافي بين ذلك، فبالنسبة للبقيع والمصلى المعنى واحد؛ لأن المصلى بجوار البقيع، وبالنسبة للحرة لم يكن بدئ الرمي بالحرة وإنما هرب إلى الحرة فأدركوه بها، فكان بدء الرمي في المصلى، ونهايته في الحرة، فما جاء بأنه كان بالحرة العبرة بالنهاية، وما كان في المصلى فالمعتبر البداية.