للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شرح حديث (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في طلب العلم لغير الله تعالى.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سريج بن النعمان حدثنا فليح عن أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة) يعني: ريحها].

أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في طلب العلم لغير الله عز وجل، أي: يطلبه لدنيا أو لسمعة وشهرة ولم يكن قصده أن يعرف الحق ويعمل به ويدعو إلى الله عز وجل على بصيرة، وإنما الدافع له والباعث له على طلب العلم هو الدنيا أو طلب الجاه وعلو المنزلة والشهرة وما إلى ذلك، دون أن يكون الباعث له هو ابتغاء وجه الله عز وجل والدار الآخرة ومعرفة الحق للعمل به والدعوة إليه.

وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من طلب علماً مما يبتغى به وجه الله) لأن العلوم الشرعية يبتغى بها وجه الله عز وجل.

وقوله: (يبتغى به وجه الله) فيه إثبات صفة الوجه لله عز وجل، وإثبات لازم الصفة التي هي رضا الله عز وجل، وأما إذا فسر برضا الله فقط فهذا لا يسوغ؛ لأن الوجه صفة، ورضا الله صفة، فإذا فسر الوجه بأنه الرضا فمعناه: أنه لم يثبت الوجه، ولكن إذا أثبت الوجه وأثبت الرضا الذي هو لازم هذه الصفة في ابتغاء وجه الله عز وجل فإن ذلك صحيح، أما إذا لم تثبت الصفة التي هي: الوجه وقيل: إن معناها رضا الله فقط دون إثبات صفة الوجه فهذا باطل لا يسوغ، وهذا نظير قول القائل في تفسير قول الله عز وجل: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:١] قال: في ملكه وتحت تصرفه، فإذا كان يقصد من قوله: في ملكه وتحت تصرفه أن هذا هو معنى اليد وليس لها معنى آخر، وأنها ليست صفة من صفات الله عز وجل؛ فهذا باطل، وإن أريد به إثبات الصفة وإثبات لازم الصفة وهو أن كل شيء في يد الله وكل شيء فهو في ملكه وتحت تصرفه سبحانه تعالى فهذا حق.

وقوله: (عرضاً من الدنيا) يعني: شيئاً من الدنيا وعرضاً من أعراضها الزائلة.

وقوله: (لم يجد عرف الجنة) يعني: ريحها؛ لأن العرف هو: الريح، وليس معنى ذلك أنه يكون حكمه حكم الكفار الذين لا يجدون ريح الجنة أبداً، وإنما المقصود من ذلك: أنه إذا لم يتجاوز الله تعالى عنه لا يحصل ذلك له من أول وهلة، ولكن كل من مات وهو غير مشرك بالله عز وجل فإن أمره إلى الله عز وجل إن شاء عفا عنه وتجاوز عنه، وإن شاء عذبه، وإذا عذبه لا يخلده في النار كتخليد الكفار، وإنما يخرجه منها ويدخله الجنة فيكون مآله إلى الجنة.

وإن قيل: هل يدخل في هذا الحديث الاشتراك في المسابقات التي عليها جوائز، إذا كان طالب العلم ممن يحرص على العلم؟

الجواب

كون الإنسان يشتغل بالعلم من أجل معرفة الحق والهدى ثم بعد ذلك جعلت مسابقة فيها جوائز ودخل فيها فهذا لا يخرجه عن كونه تعلم العلم من أجل معرفة الحق والعمل به؛ لأنه لم يتعلم من أجل الجوائز، ولم يكن الباعث له أن يكون عنده استعداد للمنافسة في الجوائز، وإنما تعلمه لمعرفة الحق والهدى، وهذا جاء عرضاً وتبعاً وشيئاً طارئاً لم يكن هو المقصود عند التعلم وعند الاشتغال بالعلم.

وأما هل يدخل في هذا من يدرس ليصبح مدرساً ويحصل على الراتب؟ فإذا كان غرضه الدنيا فقط فله نصيب من هذا الحديث، وإن كان قصده أنه يتعلم الحق ويعمل به وينفع الناس به فهذا من الثواب المعجل الذي يعجله الله له في الدنيا قبل الآخرة؛ لأن الإنسان قد يعلم ويرشد الناس ويفيد التلاميذ ويكون سبباً في هدايتهم وفي استقامتهم مع كونه مدرساً ويأخذ الراتب الذي يعطى للمدرسين، فإذا كان الباعث له أن يفيد الناس وأن يفيد الطلاب وأن يكون عوناً لهم على معرفة الحق والهدى فلا شك أنه على خير كما قال صلى الله عليه وسلم: (ولكل امرئ ما نوى).

<<  <  ج:
ص:  >  >>