[شرح حديث السهو من طريق عمران بن حصين]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع ح وحدثنا مسدد حدثنا مسلمة بن محمد قالا: حدثنا خالد الحذاء حدثنا أبو قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال: (سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر ثم دخل -قال عن مسلمة: الحُجَر- فقام إليه رجل يقال له: الخرباق -كان طويل اليدين- فقال له: أقصرت الصلاة يا رسول الله؟ فخرج مغضباً يجر رداءه، فقال: أصدق؟ قالوا: نعم، فصلى تلك الركعة ثم سلم، ثم سجد سجدتيها ثم سلم)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه وهو الذي أشرت آنفاً أن فيه ذكر التسليم بعد سجود السهو، وهو الذي قال محمد بن سيرين: نبئت أن عمران بن حصين قال: (ثم سلم).
وعرفنا أن رواية ابن سيرين فيها انقطاع حيث قال: نبئت، ولكن الحديث جاء متصلاً في هذه الرواية.
وهذا الحديث فيه قصة سهو الرسول صلى الله عليه وسلم قبل إتمام الصلاة، إلا أن الروايات السابقة من حديث أبي هريرة ومن حديث ابن عمر: (أنه سلم من ركعتين، ثم أخبر فقام وصلى الركعتين الباقيتين وسلم، ثم سجد للسهو)، وليس فيهما ذكر التسليم.
أما رواية عمران بن حصين التي معنا ففيها أنه صلى ثلاث ركعات ثم سلم، وأنه خرج ودخل الحجر، وهذا يخالف ما تقدم من أنه قام إلى خشبة معروضة ووضع يديه عليها، ثم روجع فرجع إلى مقامه وصلى، وإنما فيه أنه دخل حجره صلى الله عليه وسلم، (فقال له رجل: أقصرت الصلاة؟ فخرج مغضباً يجر رداءه فقال: أصدق؟ يعني: هذا الرجل الذي هو الخرباق، وهو ذو اليدين، وكأن هاتين القصتين فيهما أن هذا الرجل الذي هو ذو اليدين هو الذي قال له ما قال.
فسأل النبي صلى الله عليه وسلم الناس فصدقوا ذا اليدين، فقام وصلى الركعة الرابعة، ثم سلم، ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم، وفي هذه الرواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم مشى كثيراً حيث ذهب ودخل الحجر، وأنه لما أخبر رجع وصلى الركعة الباقية وسلم، ثم سجد بعد السلام سجدتين ثم سلم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
والذي يبدو أنهما قصتان؛ لأن هذه فيها ثلاث ركعات، وتلك فيها ركعتان، وهذه فيها أنه دخل الحجر، ورواية أبي هريرة المتقدمة، وكذلك رواية ابن عمر ليس فيهما أنه ذهب إلى الحجر، ولكنه كان في المسجد.
قوله: (عن مسلمة) معناه: أن الذي ذكر دخول الحجر هو مسلمة بن محمد ولم يذكر ذلك يزيد بن زريع.
وقد روى يعقوب بن إسحاق الإسفرييني هذا الحديث في مستخرجه من طريق أبي داود وبإسناده، وقال عند قوله: (قال عن مسلمة): (قال غير مسلمة فجعل كلمة (غير) مكان (عن) وهو كما قال عند مسلم والنسائي وابن ماجة الذين خرجوا هذا الحديث عن غير مسلمة، فغير مسلمة هم: يزيد بن زريع، وإسماعيل بن إبراهيم ابن علية وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، فهؤلاء ثلاثة، اثنان منهم عند مسلم وهم ابن علية وعبد الوهاب الثقفي، وواحد منهم عند النسائي وهو يزيد بن زريع، وكذلك عبد الوهاب الثقفي عند ابن ماجة، فصار هؤلاء الثلاثة وهم غير مسلمة هم الذين ذكروا أنه دخل الحُجَر.
فيكون قوله (قال: غير مسلمة) إشارة إلى يزيد بن زريع وغيره ممن ذكر دخوله الحجر، ويكون مسلمة هو الذي اقتصر على قوله: (دخل)، بخلاف ما يوهمه كلامه هنا من أن مسلمة هو الذي قال: (دخل الحجر).
فعلى هذا تكون (عن) هنا مصحفة عن كلمة (غير)، كما هو واضح من وجود الحديث عند يعقوب بن إسحاق الإسفراييني من طريق أبي داود.
ويؤكد لنا التصحيف أن هذه الكلمة جاءت على خلاف ما هو معهود من أبي داود، فإنه يقول: قال فلان قال فلان، وهنا قال: (قال عن مسلمة) فيظهر أنه أراد: قال غير مسلمة، فتصحف.