[ما ينبغي على المسلم في رمضان]
السؤال
نرجو منكم كلمة عن شهر رمضان، وما ينبغي على المسلم فيه؟
الجواب
إن شهر رمضان موسم عظيم من مواسم الآخرة، فيه التجارة العظيمة، وقد مر بنا في الحديث أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (إنني ربحت ربحاً ما ربحه أحد من أهل الوادي، قال: ويحك ألا أنبئك بما هو خير من ذلك ركعتين بعد الصلاة)، والحديث ضعيف لكن فيه إشارة إلى أن تجارة الآخرة هي التجارة الرابحة، ولا شك أن قدوم شهر رمضان المبارك على المسلمين قدوم موسم عظيم من مواسم الآخرة، فهو شهر فرض الله صيامه، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه، فعلى المسلم أن يستقبله بالارتياح والبشر والسرور، والعزم والتصميم على أن يصوم نهاره على الوجه الذي يرضي الله، وأن يقوم ليله، وأن يبتعد فيه وفي جميع الأيام عن المعاصي والفسوق.
ولكن الزمان الفاضل الخطر فيه أكبر، والضرر فيه أعظم إذا وقع الإنسان في المحذور، فعلى الإنسان أن يستقبله بتوبة صادقة نصوح، وأن يقدم على العبادة وعلى الطاعة تائباً من جميع الذنوب والمعاصي، فيصلح ما بينه وبين الله عز وجل ويصوم هذا الشهر، ويقوم الليل مع الأئمة في المساجد، يصلي بصلاتهم وينصرف عند انصرافهم، سواء صلوا إحدى عشرة ركعة أو صلوا ثلاثاً وعشرين أو صلوا ثلاثاً وثلاثين، أو أقل أو أكثر؛ لأن هذا كله سائغ وجائز، وداخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى)، ولا شك أن ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأولى والأفضل، ولكن الزيادة عليه لا مانع منها؛ لأن هذا الحديث يدل على ذلك.
ثم كون الإنسان يصلي مع الإمام حتى ينصرف يدخل فيه تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة)، والمقصود بانصراف الإمام انصراف الناس من الصلاة وتفرقهم إلى بيوتهم، وليس كما يزعمه بعض الناس من أنه إذا كان الأئمة اثنين، والأول يصلي الخمس الأولى والثاني يصلي الخمس الثانية، فإنه إذا انصرف الإمام الأول انصرف، وقال: إنه قد صلى مع الإمام حتى انصرف؛ لأن الإمام الأول لم ينصرف وإنما تحول من كونه إماماً إلى كونه مأموماً وتقدم غيره للصلاة بدلاً منه في الركعات الباقية.
فالمقصود بالانصراف هو: أن يبقى مع الناس حتى ينصرفوا إلى منازلهم إذا فرغوا من الصلاة، ومما يوضح هذا أنه لو صلى بنا كل إمام ركعتين لصاروا عشرة أئمة، ومقتضى هذا القول أنه سيصلي ركعتين ويمشي؛ لأن الإمام الأول انصرف، فهذا مما يوضح فساد هذا الفهم.
وينبغي للإنسان ألا يحرم نفسه هذا الخير وهذا الفضل، ولا ينبغي له أن يترك الصلاة مع الناس بحجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى إحدى عشرة ركعة، فإن الرسول ما قال: لا يجوز سواها، بل قال: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى)، فإذا صلى الإمام إحدى عشرة ركعة وانصرف فلينصرف معه، وإذا صلى ثلاثاً وعشرين ركعة وانصرف فلينصرف معه، وكذلك إذا صلى ثلاثاً وثلاثين ركعة، وهذا هو الذي ينبغي للإنسان.
ثم ينبغي للإنسان في هذا الشهر أن يحافظ على صيامه، ويبتعد عن كل ما يفسده وينقصه، وذلك من ناحية تناول ما لا يجوز تناوله، أو الوقوع في الأمور التي لا ينبغي الوقوع فيها من الكلام الفاحش البذيء والغيبة والنميمة وما إلى ذلك، كل ذلك يبتعد عنه الإنسان.
والرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح وهو حديث قدسي: (يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له، والحسنة بعشر أمثالها، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، وإنما خص الصيام لأنه من الأمور الخفية الباطنة التي لا يطلع عليها إلا الله عز وجل بخلاف غيره؛ فإن الصدقة تعرف، وأقل من يعرفها الفقراء الذين تعطى إليهم، وقد يعرفها غير الفقراء، والحج مشاهد معاين، والصلاة يعرف الناس من يذهب ويجيء إليها، ولكن بالنسبة للصوم فإنه خفي لا يطلع عليه أحد، فقد يكون الإنسان صائماً والناس لا يعرفون أنه صائم، وقد يكون مفطراً في رمضان والعياذ بالله والناس لا يعرفون أنه مفطر؛ لأن الصيام من الأمور الخفية التي لا يطلع عليها إلا الله عز وجل، ولهذا قال: (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).
ثم قال: (والصوم جنة) والجنة هي: الوقاية، فالصوم جنة من النار وجنة من المعاصي، فهو جنة من النار لأنه يقي من عذاب النار، وجنة من المعاصي لأن الصوم يضعف القوة البدنية، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أحصن للفرج، وأغض للبصر، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) فالشهوة التي تحصل للإنسان يضعفها الصوم، فيجعل الإنسان لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه وهو يأكل ويشرب، فإذاً هو جنة من المعاصي وجنة من النار.
(فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق) والرفث هو: الفاحش من القول، ويطلق كذلك على الجماع.
(فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم) أي: ينبهه حتى لا يستمر، وأيضاً ينبه نفسه على أنه في عبادة، والله تعالى أعلم.