للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يقول إذا سمع المؤذن.

حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)].

أورد الإمام أبو داود رحمه الله تعالى [باب ما يقول إذا سمع المؤذن]، يعني: بيان الشيء الذي يقوله الإنسان الذي يسمع النداء، أو ماذا يقول حين يسمع النداء، والمقصود أن الإنسان عندما يسمع المؤذن يؤذن يقول مثل ما يقول المؤذن، إلا في (حي على الصلاة حي على الفلاح) فإنه يستثنى من هذا العموم، ويقول بدل (حي على الصلاة حي على الفلاح): لا حول ولا قوة إلا بالله، كما جاء ذلك مبيناً في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي سيأتي.

وعلى هذا فحديث أبي سعيد الذي أورده أبو داود تحت هذه الترجمة وهو قوله: [(إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن)]، هو باق على عمومه في جميع ألفاظ الأذان، ويستثنى من ذلك الحيعلتان: (حي على الصلاة حي على الفلاح)، فإن السامع يقول بدلاً من ذلك: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح لا حول ولا قوة إلا بالله، فيجمع بين الحيعلة والحوقلة، وإنما يأتي بـ (لا حول ولا قوة إلا بالله) فقط كما جاء ذلك مبيناً في حديث عمر الذي سيأتي.

وعلى هذا فقوله صلى الله عليه وسلم: [(إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن)] خص منه الحيعلتان، فإنه يؤتى بـ (لا حول ولا قوة إلا بالله) عندهما، وذلك أن ألفاظ الأذان كلها ذكر، فالإنسان يذكر الله عز وجل، فإذا قال المؤذن: (الله أكبر الله أكبر) يقول: (الله أكبر الله أكبر)، وهذا ذكر لله، وإذا قال: (أشهد أن لا إله إلا الله) يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله)، وإذا قال: (أشهد أن محمداً رسول الله) يقول: (أشهد أن محمداً رسول الله) وإذا قال: (حي على الصلاة) لا يقول: حي على الصلاة؛ لأن قوله: (حي على الصلاة) نداء وطلب من الناس أن يأتوا إلى الصلاة، يعني: هلموا وأقبلوا، فهو ليس ذكراً، وإنما هو دعاء ونداء، وهو الذي يناسب من المؤذن أن يقول: (حي على الصلاة حي على الفلاح) أي: تعالوا، لكن غيره لا يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح؛ لأنه لا ينادي أحداً وإنما يأتي بكلام مثل الذي يقوله المؤذن، ولكن بدلاً من ذلك يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، أي: أن الإتيان للصلاة والتمكن من ذلك لا يكون إلا بحول الله وقوته، ولا حول للإنسان ولا قوة له إلا بالله سبحانه وتعالى، فيقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، فإذا قال: (الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله) يقول كما يقول، وعلى هذا فإن ألفاظ الأذان كلها ذكر، فيقول سامع المؤذن مثل ما يقول المؤذن، إلا جملة: (حي على الصلاة حي على الفلاح) فإنها ليست بذكر وإنما هي دعاء ونداء وهي مناسبة من المؤذن وليست مناسبة من غيره، فغيره لا يقول كما يقول وإنما يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فهذا الحديث خص منه الحيعلتان، فإنه يؤتى بالحوقلة عندهما، كما جاء ذلك مبيناً في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي سيأتي.

وإذا قال: (الصلاة خير من النوم) يقول: الصلاة خير من النوم، مثل ما يقول المؤذن؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: [(إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول)] فيدخل تحته أن كل الألفاظ التي يقولها المؤذن يقولها الإنسان، سواء في الإقامة أو في الأذان، حتى الإقامة يقول الإنسان فيها مثل ما يقول المؤذن، فيقول: (قد قامت الصلاة) حين يقول المؤذن: (قد قامت الصلاة)؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: [(إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن)]، ولا يستثنى من ذلك إلا ما جاء في نص خاص عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو: (حي على الصلاة حي على الفلاح).

وما جاء عن بعض أهل العلم أنه يقول: (صدقت وبررت) عند قوله: (الصلاة خير من النوم) ليس عليه دليل، وإنما الدليل هو عموم قوله صلى الله عليه وسلم: [(إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن)] ولا يستثنى من ذلك إلا: (حي على الصلاة حي على الفلاح) فيقال عند كل منهما: لا حول ولا قوة إلا بالله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>