قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا كهمس عن سيار بن منظور -رجل من بني فزارة- عن أبيه عن امرأة يقال لها: بهيسة عن أبيها رضي الله عنه قالت: (استأذن أبي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فدخل بينه وبين قميصه، فجعل يقبل ويلتزم، ثم قال: يا نبي الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء، قال: يا نبي الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الملح، قال: يا نبي الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: أن تفعل الخير خير لك)].
أورد أبو داود حديث رجل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم غير مسمى، فهذه بهيسة، قيل: إن لها صحبة، وقيل: مجهولة لا تعرف، وهي تحكي عن أبيها أنه دخل بين النبي صلى الله عليه وسلم وقميصه، يعني أنه رفع قميص النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يقبله وقال له:(ما هو الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء، ثم قال: ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الملح، ثم قال: ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: أن تفعل الخير خير لك)، والحديث في إسناده رجلان متكلم فيهما، وفيه هذه المرأة التي لا تعرف.
والمقصود بالماء والملح: أن هذه من الأشياء التي يمكن أن يسألها الناس بعضهم بعضاً ولا تمنع، والمقصود من ذلك الشيء الذي فيه مقدار الحاجة، بأن يطلب مثلاً ماء من أجل الشرب، أو الملح من أجل الطعام، وأما حمل الملح فهذا مال يتمول، ويمكن أن يمنع، يعني إذا كان عند إنسان مملحة وكان يبيع الملح، ثم يأتي إنسان ليأخذ منه بالمجان، وهو في أرضه وقد تعب عليه فلا.
ولكن يبدو إن صح الحديث أنه من الأشياء التي تبذل ولا يؤخذ لها مقابل عند الحاجة إليها، كأن يكون الناس معهم طعام ولكن ليس معهم ملح يملحون به طعامهم، فيمكن أن يسألوا، وهذا من الأشياء السهلة البسيطة التي يمكن للناس أن يتعاطوها، وأن يسأل بعضهم بعضاً إياها، ولا يعتبر سؤال مثل ذلك عاراً؛ لأن هذه أشياء مبذولة وأمرها سهل، ومن يسألها وهو محتاج إليها لحاجته الحاضرة فلا بأس بذلك.
والحديث كما أشرت غير صحيح، ولكنه إن صح فهذا هو معناه: أنه يحمل على الشيء الذي لا يمنع من الأمور السهلة البسيطة التي لا ينبغي للناس أن يتشاحوا فيها.
قال الخطابي: الملح إذا كان في معدنه في أرض أو جبل غير مملوك فإن أحداً لا يمنع من أخذه.
وهذا صحيح لا إشكال فيه، وهذا مثل الماء الذي في الفلاة، كل يأخذ منه نصيبه، والملح إذا كان غير مملوك يأخذ كل نصيبه، لكن إذا كان في ملك الإنسان، فإذا كان للحاجة الحاضرة فلا بأس، وأما إن كان غير مملوك فهو مبذول لكل أحد.
الكلأ مشترك، والملح إذا كان في فلاة مشترك، والماء إذا كان في فلاة مشترك، ولكن الماء إذا كان في حوزة إنسان، وفي إنائه ووعائه وسقائه؛ فإنه ملكه، ولكن يبذله لمن يحتاج إليه.