في الحديث: أن رجلاً جاء إلى أبي موسى الأشعري وإلى سلمان بن ربيعة وسألهما عن رجل ترك بنتاً وبنت ابن وأختاً لأب وأم فقالا: للبنت النصف، وللأخت النصف، وبنت الابن لا شيء لها، ثم قال: اذهب إلى ابن مسعود فسيتابعنا.
معناه أنه سوف يقول بقولنا، وكأنه وقع في بالهما أن هذا هو الحق، وأن ابن مسعود سيتابعهما، لكن ابن مسعود رضي الله عنه كانت عنده سنة وعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما أبلغه السائل قولهما وأنه سيتابعهما قال:[لقد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين] يعني: إن تابعتهما، وأنا أعلم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الميراث.
وهما كما هو معلوم قالا باجتهاد، وعلى حسب ما بلغهما من العلم، وهما معذوران، لكن الذي عنده سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمعذور أن يحيد عنها، وأن يعدل عنها كما قال الإمام الشافعي رحمة الله عليه: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد.
وقوله:[قد ضللت] فيه إشارة إلى أن الفعل على خلاف ما جاء به الشرع، وأن الأخذ بغيره ضلال وخروج عن الجادة، وأكد ذلك بقوله:(وما أنا من المهتدين) يعني: أنه يكون ضالاً غير مهتدٍ.
ثم قال:[ولكن سأقضي فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: لابنته النصف، ولابنة الابن سهم -أي: السدس- تكملة الثلثين].
لأن الثلثين ميراث البنات المتعددات، لكن لما كانت البنات في درجتين ولسن في درجة واحدة، فالتي في الدرجة الأولى -وهي واحدة- أعطيت النصف كاملاً، ثم اللاتي أنزل منها يحزن باقي الثلثين وهو السدس، وهذا كما أنه نص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أيضاً يفهم من القرآن، لأنه جعل ميراث البنات الثلثين، ومعلوم أن بنت الابن تعتبر من بنات الميت، ولكن لتفاوتهما جاء في السنة التفريق بينهما، وأن التي في الدرجة الأولى تعطى النصف كاملاً، والتي دونها تأخذ السدس الذي يكمل به الثلثان.