[قال أبو داود: النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هجر بعض نسائه أربعين يوماً، وابن عمر رضي الله عنهما هجر ابناً له إلى أن مات.
قال أبو داود: إذا كانت الهجرة لله فليس من هذا بشيء، وإن عمر بن عبد العزيز غطى وجهه عن رجل].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم هجر نساءه أربعين يوماً، وهذا في القصة المشهورة وهي قصة هجره واعتزاله نسائه، حتى ظُن أنه طلقهن، فجاء عمر رضي الله عنه إليه، وسأله: هل طلق نساءه؟ فقال: لا، فقال: الله أكبر.
وهذا يعني أنه قد حصل الهجر من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وابن عمر هجر ابنه حتى مات، قيل: لعله إنما هجره في آخر حياته وإنه لم يحصل هجره مدة طويلة، وهجره ليس لأمور شخصية، وإنما هو لله عز وجل؛ وذلك لكونه توقف في تنفيذ حديث أو ما يتعلق بحديث.
ثم قال أبو داود رحمه الله: الهجر إذا كان لله ليس من هذا القبيل، أي: ليس مما تقدم في الأحاديث التي فيها أنه لا يهجر أخاه فوق ثلاث؛ وذلك إذا كان من أجل حظوظ النفوس، وأما إذا كان من أجل الله فإنه لا بأس في الزيادة ولا مانع منها، كما حصل لـ كعب بن مالك رضي الله عنه وصاحبيه، وقصتهم مشهورة.
ثم قال: وعمر بن عبد العزيز رحمه الله غطى وجهه عن رجل.
أي: أنه أعرض عنه، ويمكن أن يكون هذا من قبيل الهجر لله، وأما إذا كان ليس من قبيل الهجر لله فإنه قد مر في الحديث أن إعراض كل واحد منهما عن الآخر لا يسوغ، وأن خيرهما الذي يبدأ بالسلام.
والمشهور والمعروف أنه صلى الله عليه وسلم هجر نساءه شهراً، لكن ما ذكره من كونه هجرهن أربعين يوماً لا أدري ما وجهه؛ بل قد جاء في الحديث أنه رفع عنهن الهجر في يوم التاسع والعشرين، فأتوه وقالوا: إن الشهر ما خرج، فقال:(إن الشهر يكون تسعة وعشرين) وهذا يوضح أنه هجرهن شهراً؛ لأنه خرج إليهن بعد أن أكمل التاسع والعشرين.