للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[طعونات سيد قطب في معاوية وعثمان وعمرو بن العاص وغيرهم]

السؤال

يقول سيد قطب في كتب وشخصيات في صفحة (٢٤٢) في السطر الرابع، يقول: (إن معاوية وزميله عمرو لم يغلبا علياً -رضي الله عنهم أجمعين- لأنهما أعرف منه بدخائل النفوس، وأخبر منه بالتصرف النافع في الظرف المناسب، ولكن لأنهما طليقان في استخدام كل سلاح، وهو مقيد بأخلاقه في اختيار وسائل الصراع، وحين يركن معاوية وزميله إلى الكذب والغش والخديعة، والنفاق والرشوة، وشراء الذمم، لا يملك علي أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل، فلا عجب ينجحان ويفشل، وإنه لفشل أشرف من كل نجاح) فما تعليقكم؟

الجواب

عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة معروفة، ومن أصول أهل السنة الكف عما شجر بين الصحابة، حتى في العقائد المختصرة مثل مقدمة ابن أبي زيد وغيرها من الرسائل المختصرة جداً التي هي من أخصر المختصرات فيها هذه العبارة، ففي الطحاوية لما تكلم في هذا الموضوع قال: والفتن التي كانت في أيامه -يعني: أمير المؤمنين علي رضي الله عنه- قد صان الله منها أيدينا؛ فنسأله أن يصون عنها ألسنتنا.

قد صان الله منها أيدينا لأننا ما كنا في زمانه حتى يحصل منا شيء باليد، بقي عندنا الألسنة فنسأل الله أن يصونها.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وأفئدتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويقول أبو المظفر السمعاني كما نقل عن الحافظ ابن حجر في فتح الباري: إن القدح في أحد من الصحابة علامة على خذلان فاعله، وهو بدعة وضلالة.

ويقول أبو زرعة الرازي كما ذكره الخطيب البغدادي في الكفاية: إذا رأيتم أحداً ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلموا أنه زنديق، وذلك أن الكتاب والرسول حق، وإنما أدى إلينا الكتاب والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة.

هذا هو كلام السلف، وهذه هي عقيدتهم، أما مثل هذا الكلام فمن قاله فقد آذى نفسه، وجلب لها الضرر، وكما يقول أهل اللغة: كم من كلمة قالت لصاحبها: دعني.

ولكنها انفلتت منه ولم يسلم منها، بل يتحمل مغبتها، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من يضمن لي ما بين رجليه ولحييه أضمن له الجنة)، فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن يذكروا بالجميل اللائق بهم، وأن يترضى عنهم، ويستغفر لهم، ويبحث عن المخارج الحسنة فيما جرى بينهم، وعلى الإنسان أن يتمسك بعقيدة أهل السنة والجماعة في أصحاب رسول الله، وهي الكف عما شجر بينهم.

وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر العقيدة الواسطية الذي أشرت إلى مبتدئه وهو قوله: من أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ما نقل عنهم من أخبار فيها الصحيح وفيها الكذب، والصحيح منه هم فيه معذورون: إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، والمجتهد المصيب له أجران، والمجتهد المخطئ له أجر واحد.

هو الكلام النزيه الجميل! أما غير ذلك -والعياذ بالله- فهو كلام تقشعر منه الأبدان، وتشمئز له النفوس، ولا يليق ولا ينبغي، ولو صدر من غير أهل السنة ومن المبتعدين ممن هو بعيد عن السنة من الرافضة وغير الرافضة لكان هذا يقال: هذا كلامهم، لكن كيف يقال هذا كلام من ينتمي إلى السنة، ومن هو من أهل السنة وليس من الرافضة؟! وفي كتاب: العدالة الاجتماعية في الإسلام يقول في صفحة (٢٠٧) السطر السابع من أسفل: (فلما جاء الأمويون وصارت الخلافة الإسلامية ملكاً عضوضاً في بني أمية لم يكن ذلك من وحي الإسلام، إنما كان من وحي الجاهلية الذي أطفأ إشراقه الروح الإسلامية).

في فضل معاوية بن أبي سفيان قال شارح الطحاوية: وأول ملوك المسلمين معاوية، وهو خير ملوك المسلمين؛ لأنه صحابي، والصحابة أفضل من غيرهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، فهو أول وخير ملوك المسلمين، ثم النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر خليفة)، وقد كان أمر الناس ماضياً في زمن معاوية وزمن الخلفاء من بعده في بني أمية، ووصلت الفتوحات الإسلامية إلى المحيط الأطلسي، عقبة بن نافع يصل إلى المحيط الأطلسي مرسل من بني أمية، والرسول قال: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما ولي فيهم اثنا عشر خليفة)، وفيهم معاوية رضي الله عنه، ووصل محمد بن مسلم الثقفي إلى السند وإلى أماكن بعيدة من الشرق، واتسعت رقعة الإسلام وامتدت إلى الشرق والغرب.

وقد قال شارح الطحاوية: أول ملوك المسلمين معاوية، وهو خير ملوك المسلمين.

وقال في صفحة (٢١٤): (هذا التصور لحقيقة الحكم قد تغير شيئاً ما دون شك على عهد عثمان وإن بقي في سياج الإسلام، لقد أدركت الخلافة عثمان وهو شيخ كبير، ومن ورائه مروان بن الحكم يصرف الأمر بكثير من الانحراف عن الإسلام، كما أن طبيعة عثمان الرخية، وحدبه الشديد على أهله قد ساهم كلاهما في صدور تصرفات أنكرها الكثيرون من الصحابة ممن حوله، وكانت لها معقبات كثيرة، وآثار في الفتنة التي عانى الإسلام منها كثيراً، منح عثمان من بيت المال زوج بنته الحارث بن الحكم يوم عرفة مائتي ألف درهم، فلما أصبح الصباح جاءه زيد بن أرقم خازن مال المسلمين وقد بدا في وجهه الحزن، وترقرقت في عينه الدموع، فسأله أن يعفيه من عمله، ولما علم منه السبب وعرف أنه عطيته لصهره من مال المسلمين، قال مستغرباً: أتبكي يا ابن أرقم أن وصلت رحمي؟ فرد الرجل الذي يستشعر روح الإسلام المرهف: لا يا أمير المؤمنين! ولكن أبكي لأني أظنك أخذت هذا المال عوضاً عما كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله، والله لو أعطيته مائة درهم لكان كثيراً، فغضب عثمان على الرجل الذي لا يطيق ضميره هذه التوسعة من مال المسلمين على أقارب خليفة المسلمين، وقال له: ألق بالمفاتيح يا ابن أرقم فإنا سنجد غيرك).

الشيخ: عثمان بن عفان رضي الله عنه هو ثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، وفضائله جمة، ومناقبه كثيرة، وليس كل ما ينسب إليه يصح، وما صح فهو فيه معذور، وهو من الذين أمرنا باتباع سنتهم، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور)، فـ عثمان كونه يقول: أدركته الخلافة وهو شيخ كبير.

معناه: أنه ما عنده قوة على القيام بأعباء الملك، وأنه حصلت منه تصرفات ليست طيبة، فهذا كلام لا يصلح ولا يليق أن يتكلم به إنسان ناصح لنفسه، وحريص على سلامتها.

ويقول في صفحة (٢٣٤) من نفس الكتاب: العدالة الاجتماعية في الإسلام: (ونحن نميل إلى اعتبار خلافة علي رضي الله عنه امتداداً -هنا ترضى على علي، وعثمان لا، لا حول ولا قوة إلا بالله- طبيعياً لخلافة الشيخين قبله، وأن عهد عثمان الذي تحكم فيه مروان كان فجوة بينهما، لذلك نتابع الحديث عن عهد علي، ثم نعود للحديث عن الحالة في أيام عثمان).

يقول بعض أهل العلم: من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، ومعنى هذا: أن الصحابة رضي الله عنهم اختاروه وقدموه، وأن علياً معناه: أنه كان أولى منه بالخلافة، وأن عهده فجوة، وأن خلافة علي امتداد لـ أبي بكر وعمر، ومعنى هذا: عثمان ليس كذلك، هذا كلام في غاية السوء والعياذ بالله.

قال أحمد الخليلي الإباضي الخارجي مفتي سلطنة عمان في شريط له بعنوان: الفتنة: (لسنا نحن الذين فقط نتكلم في عثمان، بل تكلم فيه أهل السنة، وذكر منهم سيد قطب والمودودي).

أقول: هذه حجة من غير أهل السنة على أهل السنة.

على كلٍ أنا أقول: ما الفرق بين مثل هذا الكلام، وقراءة مثل هذا الكلام، وقراءة مثل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر العقيدة الواسطية، وكلام العلماء النزيه النظيف في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لاشك أن من يقرأ لأولئك يكون على الجادة، ويمتلئ قلبه بمحبة الصحابة، وأن الإنسان الذي يغتر بمثل سيد قطب إذا رأى مثل هذا الكلام يمكن أن يؤثر فيه، وأن يحصل له الانحراف مثل ما حصل لـ سيد قطب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا العاقل الناصح لنفسه لا يقرأ مثل هذا، وإنما يقرأ للعلماء الذين هم على الجادة، وكلامهم مستقيم، ونظيف، ونزيه في الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.

عثمان بن عفان رضي الله عنه يتكلم فيه!! معاوية رضي الله عنه وأرضاه يتكلم فيه!! ويقال مثل هذا الكلام في هذين الصحابيين بل قاله في عمرو بن العاص رضي الله تعالى عن الجميع؟! إن الإنسان الناصح لنفسه لا يغتر بمثل هذا الكلام، ولا ينبغي أن يقرأ لمثل هذا الكاتب؛ لأنه يتأذى ويتضرر، ولكنه إذا قرأ لمثل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة وغيره، وقرأ لـ ابن القيم وغيرهم من أهل السنة الذين يكتبون بأقلام سليمة، وألسنة نظيفة

<<  <  ج:
ص:  >  >>