للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث: (رأيت رسول الله يرمي الجمرة من بطن الوادي)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في رمي الجمار.

حدثنا إبراهيم بن مهدي حدثني علي بن مسهر عن يزيد بن أبي زياد أخبرنا سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه رضي الله عنها قالت: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرمي الجمرة من بطن الوادي وهو راكب، يكبر مع كل حصاة، ورجل من خلفه يستره، فسألت عن الرجل، فقالوا: الفضل بن العباس رضي الله عنهما، وازدحم الناس، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا أيها الناس! لا يقتل بعضكم بعضاً، وإذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخذف).

].

قوله: [باب في رمي الجمار]، رمي الجمار يكون في يوم العيد والثلاثة الأيام التي بعده، فيوم العيد يرمي الحاج فيه جمرة واحدة وهي جمرة العقبة، وهي أقربهن إلى مكة، بل جمرة العقبة نهاية منى من جهة مكة، فما كان من بعد جمرة العقبة إلى مكة كل هذا ليس من منى، فجمرة العقبة هي نهايتها من جهة مكة، والرمي يوم النحر مقصور على هذه الجمرة، ووقت رميها من بعد طلوع الشمس إلى غروبها، والذين رخص لهم أن ينصرفوا آخر الليل لهم أن يرموا قبل الفجر، كما مر بنا بعض الأحاديث عن أم سلمة وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما.

وأما في أيام التشريق الثلاثة فالرمي يكون بعد الزوال، في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحين ويتحرى الزوال، فإذا زالت الشمس رمى قبل أن يصلي، ثم يصلي الظهر صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أن الرمي في الأيام الثلاثة إنما يكون بعد الزوال، ومن لم يستطع أن يرمي قبل غروب الشمس بسبب شدة الزحام وكثرة الناس فله أن يؤخر الرمي إلى الليل، ولكن الرمي لا يقدم عن وقته، أي: قبل الزوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في الأيام الثلاثة كلها: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر كان موجوداً بمنى، وكان ينتظر زوال الشمس، فإذا زالت رمى الجمرات الثلاث، وبدأ بالأولى، ثم الوسطى، ثم العقبة، وهي الجمرة التي رماها يوم العيد وحدها، في الأيام الثلاثة آخر الجمرات.

وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أم جندب الصحابية رضي الله عنها أنها قالت: [(رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرمي الجمرة من بطن الوادي وهو راكب، يكبر مع كل حصاة)].

يعني: أنه صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم العيد وهو راكب.

ثم قالت: [(ورجل خلفه يستره)] وقد مر في الحديث: (أنه كان يظلل بثوب حين رمى جمرة العقبة صلى الله عليه وسلم).

ثم قالت: [(وازدحم الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس! لا يقتل بعضكم بعضاً) يعني: لا يقتل بعضكم بعضاً بسبب الزحام، أو بسبب الحصى التي يرمى بها، خاصة إذا كانت كبيرة فتكون سبباً في قتلهم، وحتى لو كانت الحصى صغيرة فعلى الحاج ألا يرمي بها من مكان بعيد فتقع على رءوس الناس ولا تقع في المرمى، وإنما ينبغي أن يرمي بحصى صغيرة مثل حصى الخذف، ولا بد أن تكون في المرمى، وأما لو رمى من مكان بعيد فقد تقع على رءوس الناس، فيكون بذلك لم يرم الجمرة، وفي نفس الوقت ألحق الضرر بغيره، ولهذا فعلى المسلم أن يحرص أن يصل حصى الرمي إلى الحوض، أو يكون قريباً من الحوض، فيقع في المرمى، وينبغي ألا تكون الحصى كبيرة، بل بمقدار حصى الخذف، فوق الحمص ودون البندق، مثل نوى التمر تقريباً.

ثم قالت: [(فسألت عن الرجل، فقالوا: الفضل بن العباس)].

وسبق أن مر بنا أنه أسامة بن زيد أو بلال بن رباح رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>