[شرح حديث: (ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن معمر بن عبد الله بن حنظلة عن يوسف بن عبد الله بن سلام رضي الله عنهما عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة رضي الله عنها أنها قالت: (ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت رضي الله عنه فجئت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشكو إليه، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجادلني فيه ويقول: اتقي الله فإنه ابن عمك، فما برحت حتى نزل القرآن: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:١] إلى الفرض، فقال: يُعتق رقبة، قالت: لا يجد، قال: فيصوم شهرين متتابعين، قالت: يا رسول الله! إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: فليطعم ستين مسكيناً، قالت: ما عنده من شيء يتصدق به، قالت: فأُتي ساعتئذٍ بعرق من تمر، قلت: يا رسول الله! فإني أعينه بعرق آخر، قال: قد أحسنتِ، اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكيناً وارجعي إلى ابن عمك) قال: والعرق ستون صاعاً.
قال أبو داود في هذا: إنها كفّرت عنه من غير أن تستأمره.
قال أبو داود: وهذا أخو عبادة بن الصامت رضي الله عنه].
أورد المصنف حديث خويلة بنت مالك بن ثعلبة وهي التي نزلت في قصتها سورة المجادلة، وآيات الظهار، وبيان الفرض الذي فيها، وهو الكفارة: يُفرض عتق رقبة، ثم إذا لم يجد فيصوم شهرين متتابعين، وإذا لم يستطع يطعم ستين مسكيناً.
فامرأة أوس بن الصامت -وهو أخو عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنهما- جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته أنه ظاهر منها، فنزلت عند ذلك أول سورة المجادلة، فأخبرته أنه لا يستطيع أن يعتق رقبة، وأنه أيضاً لا يستطيع الصوم؛ لأنه شيخ كبير، وأنه كذلك لا يستطيع أن يطعم ستين مسكيناً؛ لأنه لا يملك شيئاً.
فجيء النبي صلى الله عليه وسلم بعرق أو مكتل فأعطاه إياها فقالت: إنها أيضاً تعينه بعرق آخر فقال: أحسنتِ؛ لأنها ستُخرج ذلك عنه، وبعد ذلك تذهب إليه ويعودان على ما كانا عليه، وأنه لا يجوز لهما الالتقاء وأن يحصل منهما التماسُّ إلا بعد أن تحصل الكفارة، وأن تنفذ الكفارة كما جاء في القرآن: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:٣] يعني: أنه لا يتم الرجوع إلى النكاح وإلى الاستمتاع فيما بينهما إلا بعد أن توجد الكفارة.
قوله: [عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة].
هي: خولة، ويقال: خويلة، ويأتي ذكرها خولة أو خويلة تصغير خولة، أي: تأتي بالتكبير وبالتصغير.
قوله: [قالت: (ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت فجئت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشكو إليه ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجادلني فيه)].
أي: تشكو الذي حصل منه، وأن بينهما العشرة طويلة ومع ذلك حصل منه هذا الشيء، وكان الظهار موجوداً عندهم في الجاهلية، وكانوا يعدونه طلاقاً كما ذكرتُ آنفاً، والإسلام لم يعتبره طلاقاً، وإنما أوجب فيه كفارة، ثم يعودان إلى ما كانا عليه قبل الظهار.
أما في الجاهلية فقد كانوا يطلقون ثم يراجعون، وهكذا يستمرون إلى غير نهاية، فكأنها فهمت أنه مثلما كان في الجاهلية قد حصل الطلاق، ولذلك جاءت تشتكي.
قالت: [(ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجادلني فيه ويقول: اتقي الله فإنه ابن عمك، فما برحت حتى نزل القرآن: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:١] إلى الفرض)] قولها: (إلى الفرض) أي: الذي فرضه الله عز وجل، وهي الكفارة: عتق رقبة، فإن لم يجد فيصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فيطعم ستين مسكيناً.
قوله: [(فقال: يُعتق رقبة، قالت: لا يجد، قال: فيصوم شهرين متتابعين، قالت: يا رسول الله! إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: فليطعم ستين مسكيناً، قالت: ما عنده من شيء يتصدق به، قالت: فأُتي ساعتئذٍ بعرق من تمر)].
العرق هو: المكتل.
قوله: [(قلت: يا رسول الله! فإني أعينه بعرق آخر)].
الظاهر أن ذاك العرق ما يكفي الستين مسكيناً؛ لأنها قالت: ستعينه بمثله.
قوله: [(قال: قد أحسنتِ، اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكيناً، وارجعي إلى ابن عمك) قال: والعرق ستون صاعاً].
قوله: [والعرق ستون صاعاً]: هذه جملة تفسيرية خارجة عن الحديث، ولذلك فإن الشيخ الألباني رحمه الله ذكر أن الحديث حسن إلا هذه الجملة.
قوله: [قال أبو داود في هذا أنها كفّرت عنه من غير أن تستأمره].
أي: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاها هذا المقدار وهي أضافت مثله، لكن كونها لم تستأمره لا يُجزم به؛ لأنه يجوز أنها تكون أخبرته وأنها أعلمته، لأنها قالت: تعينه بعرق آخر، فهذا معناه أن الكفارة لازمة له، ويحتمِل -كما قال أبو داود - أنها فعلت هذا من غير أن تستأمره، ويحتمل أيضاً أنها قد أبلغته ولكنها هي التي تولت المهمة وراجعت وحصلت من النبي صلى الله عليه وسلم ما حصلت، وأضافت إليه ما أضافت.
[قال أبو داود: وهذا أخو عبادة بن الصامت].
هذا توضيح لهذا الرجل الذي هو أوس بن الصامت، فهو أخو عبادة بن الصامت الصحابي المشهور صاحب الأحاديث الكثيرة الذي يأتي ذكره كثيراً في الأحاديث.