[شرح حديث: (تمرة طيبة وماء طهور)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء بالنبيذ.
حدثنا هناد وسليمان بن داود العتكي قالا: حدثنا شريك عن أبي فزارة عن أبي زيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ليلة الجن: (ما في إداوتك؟ قال: نبيذ قال: تمرة طيبة وماء طهور).
قال أبو داود: وقال سليمان بن داود عن أبي زيد أو زيد: كذا قال شريك.
ولم يذكر هناد ليلة الجن].
أورد أبو داود رحمه الله باباً في الوضوء بالنبيذ، والنبيذ هو: الشيء الذي ينبذ في الماء من تمر أو عنب أو غير ذلك فيتغير الماء إلى لون آخر بسبب هذا الذي انتبذ فيه، فهذا يقال له: نبيذ، وهو له حالتان: حالة يصل فيها إلى حد الإسكار.
وهذا لا يجوز استعماله مطلقاً، بل يراق ويتلف؛ لأنه خمر، والخمر لا يجوز الإبقاء عليها ولا الاحتفاظ بها.
وحالة لا يصل إلى حد الإسكار وعند ذلك يكون حلالاً من حيث الشرب والاستعمال ولكنه لا يتطهر ولا يتوضأ به؛ لأنه خرج عن كونه ماءً وصار له اسم جديد وهو النبيذ، يعني: أنه سمي اسماً جديداً غير الاسم الذي كان موجوداً له من قبل بسبب هذا الذي نبذ فيه، ولكن لم يصل إلى حد الإسكار، فلا يجوز الوضوء به، والإنسان الذي تدركه الصلاة وليس عنده ماء وعنده نبيذ يتيمم ولا يستعمله، وإنما يستعمله في الشرب؛ لأنه يستفاد منه شراباً وطعاماً، وأما أن يستفاد منه وضوءاً فلا يجوز؛ لأن الله عز وجل جعل الحكم في الطهارة إنما هو للماء، والنبيذ لا يقال له: ماء، وإنما يقال له: نبيذ، مثلما يقال للبن: لبن، ويقال لسائر الأشياء بأسمائها التي تخصها عندما تختلط بالماء ويطغى لونها على لون الماء؛ لأن الماء يخرج عن كونه ماءً إلى أن يكون له اسم جديد آخر، ولهذا عقد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة فقال: [باب الوضوء بالنبيذ]، يعني: ما جاء فيه وحكمه، ولم يأت في الوضوء منه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن المقصود بالترجمة هو بيان الحكم والنتيجة وهو أنه لا يجوز؛ لأنه لم يثبت في ذلك سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه خرج عن كونه ماءً.
والله تعالى جعل الطهارة في الماء أو ما يقوم مقام الماء الذي هو التيمم عند فقد الماء أو العجز عنه، ومن فقد الماء ووجد النبيذ لا يكون واجداً للماء؛ فينتقل إلى التيمم، ولا يجوز له استعمال النبيذ في الطهارة، وإنما يستعمله في الشرب؛ لأنه إذا لم يصل إلى حد الإسكار فإنه يكون مباحاً، وفي سنن النسائي توجد الأحاديث الكثيرة المتعلقة بالانتباذ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر نهى الناس أن ينتبذوا في أوعية شديدة سميكة؛ لأنه لا يبدو على ظاهرها أثر الإسكار حين لم يصل إلى حد الإسكار، ولكنه بعد ذلك رخص في الانتباذ في أي، وعاء واشترط ألا يشربوا مسكراً، فقال عليه الصلاة والسلام: (كنت نهيتكم عن الانتباذ في أوعية، ألا فانتبذوا في كل وعاء، ولا تشربوا مسكراً).
والحاصل: أن النبيذ لا يجوز استعماله في الطهارة، والنبيذ هو كون التمر أو الزبيب أو العنب يوضع في ماء مدة لا يصل معها إلى حد الإسكار فيتغير ذلك الماء بسبب هذا الذي وضع فيه، ويحصل اسماً جديداً، فيكون الحكم بأنه ما لم يصل إلى حد الإسكار يستعمل في الشرب ولا يجوز استعماله في الطهارة؛ لأنه ليس بماء، والطهارة إنما هي في الماء أو ما يقوم مقام الماء.
وأورد أبو داود في هذا حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه لما كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن وقال له: (ما في إداوتك؟ قال: نبيذ.
فقال عليه الصلاة والسلام: تمرة طيبة وماء طهور) وعند غير أبي داود: (فتوضأ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم).
فقوله: (ماء طهور) وصفه بأنه ماء طهور، يعني: أنه يتطهر به، وعند غير أبي داود زيادة على ذلك أنه توضأ به صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا الحديث لم يثبت؛ لأن فيه راوياً اتفقوا على أنه مجهول، وكذلك الذي روى عنه أيضاً لم يعلم هل هو الشخص الثقة أو غيره، وهو أبو فزارة، والعلماء اتفقوا على أن الحديث غير صحيح، وأنه منكر، ولهذا نقل الحافظ ابن حجر في آخر ترجمة أبي زيد هذا الذي في الإسناد، فقال: قال ابن عبد البر: اتفقوا على أنه مجهول، وأن حديثه منكر.