قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يأخذ حقه مِن تحت يده.
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن هنداً أم معاوية جاءت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت:(إن أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا يعطيني ما يكفيني وبني، فهل علي جناح أن آخذ من ماله شيئاً؟ قال: خذي ما يكفيك وبنيك بالمعروف)].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده، وهذا من جنس ما قبله، فللرجل أو المرأة أن يأخذا مما تحت أيديهما، وذكر الرجل في الترجمة لأن الخطاب غالباً يكون مع الرجال، فهذا هو وجهه وإلا فالحديث كله يتعلق بامرأة ستأخذ مما تحت يدها، فالرجال والنساء في الأحكام سواء كما هو معلوم.
والمقصود من هذا أن الإنسان إذا كان له حق على إنسان وكان في يده شيء لذلك الإنسان، أو وصل إليه مال لذلك الإنسان فله أن يأخذ حقه من ذلك المال الذي بيده لاسيما إذا كان الرجل الذي عليه الحق مماطلاً أو غير قائم بالتسديد والتوفية، وهذه يسمونها مسألة الظفر، وهو أن من كان له حق على إنسان ووقع في قبضته شيء من ماله فله أن يستوفي حقه من ذلك الذي وقع في يده، فإن فضل شيء رده لصاحبه، وأن نقص عن حقه طالبه بالباقي.
أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها في قصة هند امرأة أبي سفيان أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت:(إن أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا يعطيني وولدي ما يكفيني، فهل آخذ من ماله ما يكفيني؟ قال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)، ومحل الشاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لها بأن تأخذ من مال أبي سفيان الذي يكون تحت يدها، وتنفق به على نفسها وولدها، ولكن ذلك الإنفاق وذلك الأخذ يكون بالمعروف، فلا يكون فيه تقتير ولا تبذير وإسراف، وإنما تأخذ كفايتها على قدر الحاجة دون أن تزيد في ذلك، وهذا يدلنا على ما ترجم له قال المصنف رحمه الله تعالى، وأن للإنسان أن يأخذ حقه من مال غيره إذا وقع في قبضته.
وفيه أيضاً ذكر الإنسان بالشيء الذي لا يعجبه إذا كان ذلك في مقام التقاضي أو الاستفتاء أو غير ذلك؛ لأنها قالت:(إن أبا سفيان رجل شحيح)، ومعلوم أن أبا سفيان لا يعجبه أن يقال عنه: رجل شحيح، فذكر الإنسان بشيء هو فيه لا يعجبه لا بأس به عند الحاجة، وليس هذا من قبيل الغيبة، فهذا مما هو مأذون فيه، لأن (الغيبة ذكرك أخاك بما يكره)، لكن إذا كان ذلك في باب الجرح والتعديل وثبوت الشهادة فإنه يذكر الإنسان بما فيه، وكذلك في الاستشارة يخبر المستتشار مستشيره بما يعلمه فيه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة المرأة التي سألته عن معاوية وأبي الجهم لما خطباها.
والحديث فيه دليل على أن للقاضي أن يحكم بعلمه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما طلب منها البينة على ما ادعته، لكن هذا ليس بقضاء وإنما هو فتوى، ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم قال لها: خذي ما يكفيك دون أن يطلب منها ما يثبت كلامها؛ لأنه ربما علم أن هذا من شأن أبي سفيان رضي الله عنه، فهو عنده شيء من البخل والشح، فمن أجل ذلك أذن لها الرسول صلى الله عليه وسلم بأن تأخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف.