[ذكر بعض الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي ونقل كلامهم في ذلك]
سبق معنا ذكر الأحاديث الواردة في كتاب المهدي، وهو الكتاب الذي أورده أبو داود ضمن سننه، وكان شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه عندما بلغه أن بعض الناس يتكلم في أحاديث المهدي قال: إن أبا داود قد عقد لها كتاباً فقال: كتاب المهدي، وأورد فيه بعض الأحاديث المتعلقة به.
وقد كتبت في عام ألف وثلاثمائة وثمانية وثمانين محاضرة ألقيتها في دار الحديث التابعة للجامعة الإسلامية، وكانت بحضور الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه وحضور عدد من المشايخ ومنهم شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله.
وأوردت في تلك المحاضرة جملة من الأحاديث والموضوعات المتعلقة بذلك كذكر أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي، والعلماء الذين خرجوا أحاديثه، وكذلك الذين حكوا التواتر وما جاء في الصحيحين مما له تعلق بـ المهدي، وكذلك الأحاديث الأخرى التي في غير الصحيحين.
وذكرت كلام العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي، وذكرت من حكي عنه إنكار أحاديث المهدي أو التوقف فيها ومناقشته، ثم ما يظن تعارضه مع أحاديث المهدي والجواب عن ذلك، ثم كلمة ختامية.
وفي عام ألف وأربعمائة كتب الشيخ عبد الله بن محمود رئيس محاكم قطر رحمه الله رسالة بعنوان: (لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر)، فكتبت رداً عليه في هذه الرسالة، ونشر الرد في مجلة الجامعة الإسلامية في عام ألف وأربعمائة على حلقتين، وكذلك البحث في المحاضرة التي ألقيتها في عام ألف وثلاثمائة وثمانية وثمانين نشرت في مجلة الجامعة سنة ألف وثلاثمائة وثمانية وثمانين.
وبمناسبة قراءتنا لأحاديث المهدي الواردة عند أبي داود نقرأ جملاً وفصولاً مما كتبته تتعلق بالموضوع حتى يتضح بها أن الأحاديث الواردة في المهدي صحيحة، وأنها متواترة، وأن الذين احتجوا بها هم علماء محققون معروفون بالعلم والتحقيق، وأن القول بعدم صحتها لا وجه له، وكان الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه علق على هذه المحاضرة وكتب تعليقه معها في مجلة الجامعة والذي طبع في عام ألف وأربعمائة واثنين من الهجرة.
فقلت في تلك المحاضرة: ذكر بعض الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي ونقل كلامهم في ذلك.
من الذين حكموا على أحاديث المهدي بأنها متواترة: الحافظ أبو الحسين محمد بن الحسين الآجري السجزي صاحب كتاب مناقب الشافعي المتوفى سنة ثلاث وستين وثلاثمائة من الهجرة، قال رحمه الله في محمد بن خالد الجندي راوي حديث: (لا مهدي إلا عيسى بن مريم): محمد بن خالد: هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل، وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذكر المهدي، وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأن عيسى عليه السلام يخرج فيساعده على قتل الدجال، وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه، نقل ذلك عنه ابن القيم في كتابه المنار المنيف وسكت عليه، ونقله عنه أيضاً الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة محمد بن خالد الجندي وسكت عليه، ونقل عنه ذلك وسكت عليه أيضاً في فتح الباري في باب نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام.
ونقل ذلك عنه أيضاً السيوطي في جزء العرف الوردي في أخبار المهدي، وسكت عليه، ونقل ذلك عنه مرعي بن يوسف في كتابه: فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر، كما ذكر ذلك الصديق حسن في كتابه: الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة، ومنهم محمد البرزندي المتوفى سنة ثلاث بعد المائة والألف في كتابه: الإشاعة لأشراط الساعة، قال: الباب الثالث في الأشراط العظام والأمارات القريبة التي تعقبها الساعة، وهي أيضاً كثيرة فمنها المهدي وهو أولها، واعلم أن الأحاديث الواردة فيه على اختلاف روايتها لا تكاد تنحصر، إلى أن قال: ثم الذي في الروايات الكثيرة الصحيحة الشهيرة أنه من ولد فاطمة.
إلى أن قال: تنبيه: قد علمت أن أحاديث وجود المهدي وخروجه آخر الزمان وأنه من عترة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من ولد فاطمة بلغت حد التواتر المعنوي، فلا معنى لإنكارها.
وقال في ختام كتابه المذكور بعد الإشارة إلى بعض أمور تجري في آخر الزمان وغاية ما ثبت بالأخبار الصحيحة الكثيرة الشهيرة التي بلغت التواتر المعنوي وجود الآيات العظام التي منها، بل أولها خروج المهدي، وأنه يأتي في آخر الزمان من ولد فاطمة يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً.
ثالثاً: ومن الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي: الشيخ محمد السفاريني المتوفى سنة ثمان وثمانين بعد المائة والألف في كتابه لوامع الأنوار البهية، قال: وقد كثرت بخروجه -يعني: المهدي - الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم، ثم ذكر بعض الآثار والأحاديث في خروج المهدي، وأسماء بعض الصحابة الذين رووها، ثم قال: وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم بروايات متعددة، وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة.
رابعاً: ومنهم القاضي محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة خمسين بعد المائتين والألف وهو صاحب التفسير المشهور، ومؤلف نيل الأوطار، قال في كتابه التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح: والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة، بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول.
وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بـ المهدي فهي كثيرة جداً لها حكم الرفع؛ إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك.
انتهى.
وقال في مسألة نزول المسيح عليه الصلاة والسلام: فتقرر أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، والأحاديث الواردة في الدجال متواترة، والأحاديث الواردة في نزول عيسى عليه الصلاة والسلام متواترة.
نقل ذلك عنه الشيخ صديق في الإذاعة.
خامساً: ومنهم الشيخ صديق حسن القنوجي المتوفى سنة سبع بعد الثلاثمائة والألف، قال في كتابه: الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة: والأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف رواياتها كثيرة جداً تبلغ حد التواتر المعنوي، وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد، إلى أن قال: لا شك أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين لشهر وعام؛ لما تواتر من الأخبار في الباب، واتفق عليه جمهور الأمة خلفاً عن سلف، إلا من لا يعتد بخلافه.
إلى أن قال: فلا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود المنتظر المدلول عليه بالأدلة، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة البالغة إلى حد التواتر.
سادساً: وممن حكى تواتر أحاديث المهدي من المتأخرين: الشيخ محمد بن جعفر الكتاني المتوفى سنة خمس وأربعين بعد الثلاثمائة والألف، قال في كتابه نظم المتناثر من الحديث المتواتر: وقد ذكروا أن نزول سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، ثم قال: والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، وكذلك الواردة في الدجال وفي نزول سيدنا عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام.