قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يشري نفسه.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا عطاء بن السائب عن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (عجب ربنا من رجل غزا في سبيل الله فانهزم -يعني أصحابه- فعلم ما عليه فرجع حتى أهريق دمه، فيقول الله تعالى لملائكته: انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي حتى أهريق دمه!)].
قوله: الرجل يشري نفسه أي: يبيعها، قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّه}[البقرة:٢٠٧]، يعني يبيعها، وقال:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}[التوبة:١١١] أي أنهم باعوها على الله، وذلك بتقديمها في سبيل الله عز وجل.
قوله:(عجب ربنا من رجل غزا في سبيل الله فانهزم -يعني أصحابه-) هذه مثل الكلمة التي مرت فيما مضى قال: (عقبة كعقبة يعني أحدهم) مضاف ومضاف إليه وجاء بينهما (يعني)، وهنا فعل وفاعل وجاء بينهما (يعني).
قوله:(فعلم ما عليه).
أي: ما يجب عليه، والمقصود بهذا أنه عند الفرار وعندما تحصل هزيمة يحصل ثبوت ولو كان العدد قليلاً، وذلك كما ثبت الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين حين انهزم أكثر أصحابه ولم يبق إلا عدد قليل، وبعد ذلك رجعوا.
قوله: [(فرجع حتى أهريق دمه)] هذا إنما يكون فيما إذا لم يكن الهلاك محققاً، فإذا كان الهلاك محققاً فليس للإنسان أن يقدم، كالذي يقتل نفسه بأي سبب من الأسباب، أو يسعى إلى قتل نفسه بشيء يزعم أن فيه نكاية بغيره، ثم يتسبب في قتل نفسه، ويحمل العدو على إزهاق نفوس كثيرة بسبب هذا الذي قد حصل منه.
[(فيقول الله تعالى لملائكته: انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي)].
أي: انظروا إلى عبدي رجع ليقاتل رغبة فيما عندي من الأجر والثواب، وشفقة مما عندي من العقاب.
قوله:(حتى أهريق دمه) أي: حتى قتل، ولكن إذا كان الإنسان لا يقوم بذلك الشيء إلا بأن يهلك نفسه فلا يلقي بنفسه إلى التهلكة، وأما إذا كان في ثبوته تشجيع لغيره وتثبيت لهم حتى يعودون، ثم تحصل منهم النكاية في العدو والانتصار عليه، فهذا هو الذي ينبغي أن يعمل.