[شرح حديث الأعرابي الذي جبذ النبي بردائه فحمر رقبته]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا أبو عامر حدثنا محمد بن هلال أنه سمع أباه يحدث قال: قال أبو هريرة وهو يحدثنا: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس معنا في المجلس يحدثنا، فإذا قام قمنا قياماً حتى نراه قد دخل بعض بيوت أزواجه، فحدثنا يوماً فقمنا حين قام، فنظرنا إلى أعرابي قد أدركه فجبذه بردائه فحمر رقبته -قال أبو هريرة: وكان رداءً خشناً-، فالتفت فقال له الأعرابي: احمل لي على بعيري هذين فإنك لا تحمل لي من مالك ولا من مال أبيك، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا، وأستغفر الله! لا، وأستغفر الله! لا، وأستغفر الله! لا أحمل لك حتى تقيدني من جبذتك التي جبذتني، فكل ذلك يقول له الأعرابي: والله لا أقيدكها فذكر الحديث، قال: ثم دعا رجلاً فقال له: احمل له على بعيريه هذين: على بعير شعيراً وعلى الآخر تمراً، ثم التفت إلينا فقال: انصرفوا على بركة الله)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة الأعرابي الذي جاء ومعه بعيران، وأراد من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه حمل بعيريه من الطعام، وكان عليه صلى الله عليه وسلم رداء خشن فجبذه -أي: جره- حتى أثرت جذبته في جسد الرسول صلى الله عليه وسلم حيث أحمر المكان الذي حصلت الجبذة فيه، فالتفت إليه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم فقال له: احمل لي على بعيري فإنك لا تحمل لي من مالك ولا من مال أبيك وإنما من مال المسلمين، يعني: يريد أنه يحمل هذا من بيت المال، وأنه لا يريد منه صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن هذا من الجفاء سواء في القول أو الفعل، فالجبذ فيه جفاء، والقول فيه جفاء.
قوله: [فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا، وأستغفر الله! لا، وأستغفر الله! لا، وأستغفر الله!)].
يعني: أنه لا يحمل له من ماله ولا من مال أبيه، وإنما الحمل هو من بيت المال.
والرسول دائماً يستغفر الله عز وجل ويطلب منه المغفرة، وهذا هو المشرع للناس من أمته الذين هم تبع له ويقتدون به عليه الصلاة والسلام.
قوله: [(لا أحمل لك حتى تقيدني من جبذتك التي جبذتني)].
أي: طلب أن يقيده من تلك الجبذة التي جبذه بها وأثرت فيه، وهذا من كمال أخلاقه عليه الصلاة والسلام، فقد أسيء إليه ومع ذلك يداعبه ويقول له: مثل هذا الكلام.
والأعرابي يأبى أن يقيده، وهذا لا شك أنه من الجفاء أيضاً.
والحديث فيه ضعف من جهة أن بعض رواته متكلم فيه، لكن قصة الجبذة وكونه صلى الله عليه وسلم حصل له الجفاء من بعض الأعراب فهذا ثابت، وثبت تبسمه وضحكه صلى الله عليه وسلم وإحسانه إلى من حصل منه ذلك، واغتفاره له، وأما هذه القصة ففي إسنادها من هو متكلم فيه.
وفي أول الحديث: (أنهم كانوا يجلسون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا قام وذهب قاموا)، يعني: انفض المجلس، وليس المقصود من ذلك أنهم يقومون له صلى الله عليه وسلم لا في حال دخوله وإقباله ولا في حال قيامه، وإنما كانوا يستقبلونه وكانوا يحترمونه، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره أن يقوموا له، وقد جاء أنهم كانوا لا يقومون للنبي صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من كراهيته صلى الله عليه وسلم لذلك، والقيام للرجل كما هو معلوم جاء ما يدل على منعه، وأما القيام إلى الرجل من أجل استقباله أو معانقته أو إكرامه ومصافحته، فهذا لا بأس به ولا مانع منه، وإنما الممنوع كونه يقوم ويجلس فقط احتراماً وتوقيراً لمن دخل أو لمن يريد أن يخرج، وأما إذا كان هناك استقبال أو مصافحة أو معانقة فإنه يكون قائماً.
قوله: [(فكل ذلك يقول له الأعرابي: والله لا أقيدكها، فذكر الحديث قال: ثم دعا رجلاً فقال له: احمل له على بعيريه هذين: على بعير شعيراً، وعلى الآخر تمراً)].
يعني: حقق له ما يريد بأن تمل على بعير شعيراً وعلى الآخر تمراً.
قوله: [(ثم التفت إلينا فقال: انصرفوا على بركة الله تعالى)].
يعني: كانوا واقفين وكانوا يرونه ويرون الأعرابي الذي حصل منه ذلك الفعل، فقال صلى الله عليه وسلم: (انصرفوا على بركة الله).